مرحبا ..
لطالما كانت الأمور لدينا محكومة بشكلها الظاهري ، مثمنة بالسعر الذي نراه، و لطالما حكمنا على الأشياء مادية أو معنوية بعبارة ثمين أو رخيص ، لكننا هل سألنا أنفسنا يومًا ما، ما هي التكلفة الحقيقية و راء كل هذا؟
اندرو مورغان صاحب الوثائقي الرائع ” THE TRUE COST” بدأ قصته بأسئلة بسيطة عن الملابس التي نرتديها و التي صُنعت بين الخوف و الطمع و القوة و الحاجة . مرّت بين أنحاء العالم من قلوبٍ و أيادي كثيرة ، لتصلنا مقابل بضعًا من المال.
القصة المعقدة البسيطة كما يقول آندرو.
ليسي سيغل ، صحفية و متحدثة باسم المملكة المتحدة ، كانت إحدى المتحدثات في هذا الوثائقي ، بعيدًا عن حديثها الطويل عن مدى شغفها بالأزياء و الموضة ، أهم ما قالته بالضبط لقد تم إعادة اختراع عالم الأزياء من جديد ، لقد و لّى زمن العروض التي تختصر على فصول السنة فقط.
.
اورسلا كاسترو مصممة أزياء كانت وجهة نظرها هي أن الأزياء هي تعبير عن ذواتنا ، و أساس ما نريد إيصاله للعالم ، فهو الجلد الذي اخترناه لنا بأنفسنا ، أضافت على ذلك بأن التغيير الحاصل في عالم الأزياء سريع جدًا و يسير بلا رحمة باتجاه الإنتاج و الذي يهتم فقط بمصالح الشركات الكبيرة .
.
أمريكا كانت تنتج حوالي 95 % من الملابس حتى الستينات ، و الآن هي تصنع 3 % فقط من الملابس بينما 97 % المتبقي متوزع حول الدول النامية في العالم!
.
روقر لي المدير التنفيذي لـ Tal Group ، يعمل تحته مايقارب 25 ألف موظف لإنتاج الملابس فقط ، تحدث جون عن التغيير الحاصل على مر السنين و الذي يمكن ملاحظته من خلال العشرين سنة الماضية حيث انخفضت تكلفة المنتج بشكل واضح جدًا ، بينما تكلفة الإنتاج في تزايد!
.
ليسي تكمل الحديث لتخبرنا بأنه بدل أن يكون هناك 4 مواسم للموضة خلال السنة فقد أصبحت 52 موسم!
تجديد بشكل أسبوعي ، و بيع بشكل أكبر و موضة سريعة جدًا ، و الأسوأ تسويق غير طبيعي.
.
بنغلاديش – دكا
.
اريف مالك مصنع في بنجلاديش كانت تجربته مع الشركات و الضغط الهائل عليه الذي بدوره عليه أن يتفاوض معهم أو يضغط أيضًا بدوره على الموظفين لديه .
على سبيل المثال و كما يعطينا ” تأتي الشركة الأولى لتقول هذه الشركة تبيع هذا القميص ب 5 دولارات ، نحتاج لبيعه بـ 4 دولارات ، و من ثم تأتي شركة أخرى لتقول تلك الشركة تبيع القميص ب 4 دولارات و نحن نوّد بيعه بـ 3 دولارات”.
.
التنافس في إخفاض سعر المنتج لجذب المستهلك يضغط على العمال بالمصانع و يجعلهم يرضخون للأمر الواقع حتى يستطيعون العيش و البقاء في هذه الحياة بكسب رزق لا يعادل شيئًا أمام متطلبات حياتهم.
.
خفض تكاليف العمل و تجاهل قوانين الأمن و السلامة كان سبب في انهيار مبنى في دكا ببنجلادش ، بقوا عمال الإنقاذ البحث في أنقاض المبنى و وصلوا إلى 400 قتيل ، تلقوه عمال هذا المصنع في سبيل صنع الملابس الرخيصة.
.
مما أدى إلى تجمعات للأشخاص حول المبنى يبكون و يبحثون عن عوائلهم ، و بعد أسبوعين من البحث وصل عدد القتلى إلى 931!
.
إحدى الناجون من الانهيار كانت قد وصلت إلى الدرج بحثًا عن المخرج لكنه انهار عليها و كان الثمن أنها بقت على هذه الحياة بدون سيقان .
.
في الموضة السريعة الأكثر مخاطرة هو المستضعفون من العمال و الحاصلون على الأقل أجورًا.
بالنسبة للمبنى فقد لاحظ العمال به وجود التصدعات و أُبلغت الإدارة بالموضوع لكنهم مع كل هذا أُجُبروا باليوم التالي على الحضور و حينها كان الانهيار.
كل هذا مقابل دولارين في اليوم!
بنغلاديش تعد ثاني أكبر مصدر للملابس بعد الصين ، و تكلفتها رخيصة جدًا ، كم أن الدولة تقع في الطرف الأدنى من الصناعة.
آريف المسؤول عن مصنع للخياطة هناك كان غاضبًا جدًا لما حدث في المصنع ، يصف الموضوع بإنه تجاهل حياة الآخرين و جعلها رخيصة مقابل أرباح مجزية .
.
هل يمكن أن تكون مصانع الأعمال الشاقة جيدة في دول العالم الثالث؟ الاسم بحد ذاته “أعمال شاقة “!
.
بنجامين أحد الموظفين في Free Market Institute يرى أن الموضوع طبيعي جدًا و أن من أساس التطوّر في هذه البلدان لرفع التنمية هو العمل في المصانع بهذا الشكل.
.
و يقارن أجور العمال المتدنية في المصانع بمستوى الأميركيين و الأماكن التي يعمل فيها الأطفال التي يمكن ان تنتهك قانون العمل في البلاد و لكن هذا خيارهم من بين خيارات أخرى سيئة و أسوأ بكثير من خياطة الملابس.
.
كيت تعمل في JOE FRESH تقول أن قضاء هؤلاء الناس في مثل هذه الأعمال لا يزعجها فعملهم من أجل كسب العيش هذا أقل من خيارات أسوأ بكثير كما تقول ، كما أنه لا شيء خطير في خياطة الملابس مما يعني أنها صناعة آمنة نسبيًا.
.
“انخفاض الأجور- الظروف الغير آمنة و الكوارث في المصنع تبرر بالحاجة إلى خلق فرص عمل لشعب بلا بدائل”
.
في لندن
صفيا ميني المؤسسة و الرئيس التنفيذي لشركة PEOPLE TREE و هي علامة تجارية يابانية منذ 20 سنة لأزياء التجارة .العادلة
بنظرها أن أغلب ماركات الأزياء لا يفكرون بمن سيقوم بها المنتج أو كيف أتأكد بأنهم سيأخذون رزقهم بشكل كافي.
.
شيما عاملة في مصنع بعمر 23 سنة و هي من بين 4 عمال مصانع في بنجلادش ، أكثر من 85% من عمال المصانع هناك نساء مع أجر أقل من 3 دولارات يوميًا و هم من الأقل أجرًا في عالم الملابس حول العالم.
.
بداية عملها كانت تأخذ 10 دولارات بشكل شهري فقط.
الجو في المصنع حار جدًا بالإضافة لوجود مواد كيميائية ضارة جدًا يمنعها من اصطحاب ابنتها بشكل يومي للمصنع لذلك غالبًا تبقى ابنتها بمدينة أخرى مع الجيران و الأهل للتعلم و الذهاب للمدرسة ، كما تزورها شيما كلما استطاعت أملًا منها أنها بالتعلم سوف تصبح أحسن من والدتها كما تقول.
.
شيما كونت نقابة في العمل و كانت رئيستها و كتبوا فيها بعض المطالب ، حصل بعدها هجوم عليها و على العمالة من قبل 30-40 رجل ، و ضربهم بمقصات و ركلهم على أماكن متعددة مثل الصدر و المعدة حتى.
.
الزراعة و الموضة
القطن يصنع الألياف و التي منها يُصنع أغلب ما نرتديه اليوم ، و مع الموضة السريعة لا بد من أن ينتج القُطن بحسب ما يحتاجه الإنتاج .
يُرش على القطن الكثير من المواد الكيميائية لتسريع ذلك و يؤثر ذلك تبعًا على البيئة و التربة و الناس في نفس البيئة ، تستغل بعض الشركات هذا الأمر بتوفير المواد الكيميائية و من ثم بتوفير الأسمدة و المحاليل العضوية.
.
في الهند
المتحدث هناك يقول بأن التجارة تتغير في الهند ، يقومون بعمل البذور بذاتها ليكون هناك احتكار لها و بالتالي كل المزارعين سيقومون بشراءها اضطرارًا ، كما أنها غالية جدًا ، بالتأكيد لانها معدلة وراثيًا .
.
لكن المشكلة أنّ المزارع يضطّر للاستدانة من أجل شراء البذور لارتفاع تكلفتها ، و من ثم تزيد الديون لأن التعديل الوراثي لم ينهي القضاء على الآفات الزراعية، ومن ثم يقوم بشراء الأسمدة و المبيدات الحشرية من أجلها.
.
و هكذا يدور في حلقة
تُسمى هذه المبيدات بالمخدرات البيئية و كلما زاد استخدامها كل ما زاد احتياجها ، في بائ الأمر يزيد الإنتاج الزراعي ومن ثم .يهبط بسبب تلوث التربة و يعود من جديد
.
الدكتور برتيبال بالهند كان قد درس أثر هذه المبيدات على صحة الإنسان و النتيجة كانت الكثير من التشوهات و السرطانات و الأمراض العقلية .
و مع جميع التقارير التي أكّدها إلا أنه شركات الأسمدة و المبيدات رفضت الأمر و لم تعترف بأثر هذه المبيدات .
الشركات التي تصنع البذور المعددلة و المبيدات هي نفس الشركات التي تصنع الأدوية!
.
فمرضك هذا يعني ربح لهم بالأخير ، لذلك الأمر لا يشكل فارق لهم.
تأتي الشركات بعد فترة للمزارع لتخبره بأنه يدين لها بالكثير و عليهم مصادرة المزرعة ليتناول قنينة من المبيد الحشري و ينهي حياته.
.
منذ ست عشر سنة كثير من المزارعين في الهند ينتحرون و الذي يُقدّر : انتحار خلال كل 30 دقيقة.
تأثير الموضة هائل جدًا ، و تعلق الناس بهذا الأمر يعني تعلقهم بان ما كل مادي و ظاهري من المكانة و المقتنيات و المال مهم بالنسبة لهم!
.
وبالتالي يقل شعورهم بالسعادة و يزيد من شعور الكآبة ، و هذا يعارض الكثير من الإعلانات التي تصلنا اليوم و رسائلها الواضحة جدًا في أن السعي و اراء كل هذه الأمور و المقتنيات يزيد من شعور الإنسان بالسعادة.
.
تنجح الدعايات لأنها تدمج رسائلها من خلال المشاهد البسيطة و هي أنك ستكون راضي عند اقتناءك لهذا الأمر ، يبدو لك الأمر في الإعلان و كأنه هذا الرداء سيكون رائع عليك و لكن بعد شراءه ، تبدو عادي ، حسنًا هناك قطعة أخرى جرّيها!
و بلا توقف.
.
على سبيل المثال في دعايا ت السيارات يبدو لك و كأن الرجل يقول ” و أخيرًا حصلت عليها ، أنا شخص كفء”
أو إعلانات الشامبو و كيف يبدو الشخص بعد استخدامه لشامبو معين بأنه أكثر تقديرًا من الناس و أكثر حبًا.
الرسالة الأساسية نفسها
“الطريقة التي تحل فيها مشاكل حياتك، من خلال الاستهلاك”
.
قليل من الناس من توقفوا عن هوس الشراء الحادث ، ليفهموا أصل هذا النمط الجديد و عواقبه .
.
في إحدى المقالات لـ ارنست المو كالكينز
قال فيها الاستهلاك هو دفع المستخدم لمعاملة الأشياء التي يشترونها من اجل الاستهلاك فقط !
مثل عروض ( اشتر 1 و 3 مجانًا و نحوه)
الأوساخ الناتجة من هذا الاستهلاك تصل إلى 11 مليون طن سنويًأ من مخلفات الغزل و النسيج صعبة التحلل من أميركا فحسب.
.
الجانب المظلم من الموضة السريعة و فكرة تخفيف الذنب عن النفس بالتبرع بها ؟
.
في هايتي يتم تجميع الملابس في صناديق من مصادر مختلفة حول العالم ثم بيعها كصندوق بدون أن يعلم الشخص مافيها من ملابس حتى ،و رغم هذا فلا يُستفاد منها سوى 10%!
اختفت بالتالي صناعة النسيج في هايتي اعتمادًا على هذه الملابس المستعملة.
كانبور الهند
كل يوم و أكثر من 50 مليون لتر من المياه العادمة السامة تتدفق من المدابغ المحلية و تنتشر إلى مياه الشرب و الغسيل في كانبور . بسبب مصاتع الجلود هناك و حسب أن كانبور مصدّرة للجلد الرخيص فقد أصبحت عاصمة العالم في هذا الأمر.
و في مكان مثل كانبور تستغل العلامات التجارية الغربية و الكبرى للحصول على مواد رخيصة متجنبة بذلك أي مسؤولية عن ارتفاع التكلفة على صحة الإنسان و البيئة.
.
كم أن البيئة المحلية و المياه الجوفية و التربة و ما ينبت عليها من خضروات في كانبور ملوّث تمامًا مما ينتج عن ذلك الكثير من الأمراض الجلدية لكل من يعيش و يتغذى على تلك المنطقة!
.
كمبوديا
قام العمال في مصانع الغزل و النسيج بثورة للحصول على حد أدنى من الأجور ما يقارب 160 دولار و لكن النتيجة كانت عكسية و مؤلمة للغايةأدت إلى وفيات و إصابات قوية .
بابرا تعمل لحقوق العمالة تقول كل ما يُطلب هو احترام النساء و عدم توظيف الأطفال و الدفع على الأقل الحد الأدنى من الأجور ، لكن الرد من الشركات ترفض الأمر و تأبى وجود قوانين تعطّل اقتصادهم!
.
رأس المال البشري و العمالة الرخيصة و اليد الرخيصة في العمل لم يكن هناك وجود للأرباح العالية في عالم الأزياء اليوم.
أفضل ما قيل و ختامًا لهذا الفلم الذي ربما لم أوفيه حقه
على لسان الاقتصادي ريتشارد ولف
أمريكا بلد غريب ، يمكنك انتقاد التعليم لتطوير المدارس ، انتقاد نظام النقل ليتحسن و لكن لا يمكن أن تُخطئ النظام الاقتصادي !
وعندما لا تنتقد شيء لمدة خمسين سنة سيتعفن و يتحلل
.
الشركات و تجار الأزياء يستمرون في خفض الأسعار للمنتج و للعمالة و يستغلون بنجلادش في العمل لعلمهم بان بإمكانهم الحصول على عمالة رخيصة تنتج من أجلهم فلا يوجد هناك حقوق للجماعة ولا نقابة عمال و لا رواتب للتقاعد ولا حتى إجازة أمومة.
.
هل سنتمر بالبحث عن السعادة عن طريق استهلاك الأشياء؟ هل سنقبل بنظام يمنحنا الشعور الكاذب باننا أغنياء بينما ندع العالم في فقر مدقع؟
و هل سنبقى نغض الطرف عن حياة من يقف خلف ملابسنا؟
Asma Loves
/ سبتمبر 16, 2015تدوينة ممتازة ولكنها مؤلمة بالنسبة لي , أدركت حقاً أننا بعيدون عن الواقع وحمى الاستهلاك أعمتنا عما خلف الستار 😦
حنان
/ سبتمبر 16, 2015اهلًا
الوثائقي كان مذهل أحس أجحفت بحقه ، المؤلم أكثر كان صور من تأذوا بسبب التلوثات ، و الموتى خلال الانهيار أيضًا 😦
سعيدة بقراءتك💛