أهلًا أهلًا، عنوان طويل لتدوينة أتمنى أن تصل : ).
كيف حالكم يارفاق؟ كيف تبدو أيامكم؟
قبل مايقارب السنة تقريبًا وفي مرحلة البداية مع أزمة كوفيد، وبالصدفة وجدت نفسي أقرأ في عنوان مقالنا اليوم. أعرف أنني إطلاقًا لا أحب طريقة إخفاء المشاعر وتزييفها، وكأنّ شيئًا لم يكن. هذا لا يعني أنني لم أفعل ذلك كثيرًا وللأمر أبعاد كثيرة ومختلفة. لكنني تعلمت على الأقل خلال السنوات الماضية أهمية إدراك شعورنا والاعتراف به واستشعاره بما فيه الكفاية ليمضي، أو على الأقل حتى تبان أبعاده بالنسبة لي.
أرفض جدًا فكرة إيهام ذواتنا بأن شيئًا لم يكن أو بأن مشاعرنا مجرد أوهام نستطيع التحكم فيها ونحدد مزاجنا بذاتنا بغض النظر عمّا نمر فيه، لا شيء من ذلك يبدو مريحًا أو طبيعيًا وأعلم مطلقًا بأنني أتجنب مشاركة ما أشعر به مع أي شخص يتعامل مع الموضوع بهذه الطريقة. أعتقد أننا على الأغلب مرت علينا شخصيات بمثل ذلك. وربما يتعلق ذلك بأكثر من سبب، هنا مقطع قد شاركته مسبقًا لـ Brené Brown وترجمة للدكتور ياسر الدبّاغ في موضوع التعاطف، لكنني لن أستطرد كثيرًا في هذه النقطة:
التدوينة ليس المقصد منها الترجمة عمومًا، ولكن أغلب المصادر بالإنجليزية : ). فكرة الإيجابية السامة هي المبالغة في إظهار السعادة والتفاؤل مع إنكار أي شعور آخر طبيعي في ظل أي ظرف كان. مع الأخذ بالاعتبار أن تجاربنا في آخر المطاف هي تقلبات بين مشاعر مختلفة حسب المرحلة، وأن من الصحي جدًا أن يستشعر المرء كل ذلك بشكل أو بآخر. قد يكون الأمر مأخوذ من تربية أو ثقافة أو محيط عشنا فيه، حيث أنّ عليك ألا تظهر أي شعور سيء تمر فيه. ولا أقصد بذلك أن علينا أن نعلن غضبنا على العالم في حال لم يسر أمرٍ ما، كما خططنا له، لكن الاعتراف بالشعور وترك مساحة كافية له هو المهم. حتى وإن كنت لسويعات أمام البعض لا تريد إظهاره.
ثقافة منتشرة بقوة أن عليك مشاركة الجيد فقط، كلنا نملك من السلبي مايكفي أليس كذلك؟ هذا لا ينفي أبدًا الفكرة الأساسية، نعم ليس عليك مشاركة كل شيء مع كل أحد، ولا كل شعور كذلك. لكن لي ولك وللجميع الحق بالشعور بالسوء أو الحزن أو الغضب لأي شيء يمسنا، وقد لا نشارك ذلك كل أحد لكننا نعبر عنه بطرقنا الخاصة ونمنحه السبيل للعبور بل وقد نشارك ذلك من يحبوننا ونحبهم،فالمشاركة ليست مقصورة بالسعادة فحسب.
مررت بتجارب كثير وكان أقبح شعور يأتيني حين يخبرني أحدهم بأن عليّ ألا أظهر ذلك، وأن الحياة حلوة وستمضي الأيام وأنّ علينا الشعور بالفرح وحسب. وهذا يتسبب بطريقة أو بأخرى بانهيار لا داعي له في وقتٍ آخر لأنني حاولت إنكار شعوري والتقليل منه وتزييف شيء لا يعنيني في تلك اللحظة، واجترار الشعور لوقت أطول. تعلمت مع الوقت أن أقدر نفسي، أن أفهم أن من حقها الشعور بهذه اللحظة كيفما كانت، نعم بودنا لو أن الحياة حلوة فقط، وأن لا شيء نتمناه ولا نراه، وأن السماء تهطل علينا مانريد بلا تعب. لكن هذا أبعد مايكون عن الواقع. قليلًا من الواقعية يا عالم : ). يُقبح البكاء والحزن وينكر، بل حتى بعض المخاوف. أمور كثيرة نسمعها، وقد نقولها حتى للأطفال، كأننا نحدد مشاعر معينة عليهم ألا يخرجوا منها. قد تكون الرغبة الأساسية هي الحماية ولكن ذلك لا يبرر.
شعارات كثير تردد على مسامعنا وتقلل من شأن أي شعور آخر غير السعادة، وأنّنا وحدنا من نحدد ماهية شعورنا بدون التأثر بأي شيء. لا أنفي بالطبع بأن بيدنا رد الفعل لكل موقف نمر فيه، لكن الشعور نفسه أمر مختلف من الطبيعي أن يكون المرء غاضب جدًا حتى وإن لم يعبّر بذات اللحظة عن شعوره الفعلي، من الطبيعي أن يأخذ الأمر بعض الوقت حتى يأخذ كل شعور حقه إلى أن يمضي، وهذا بالطبع يختلف من شخص لآخر. يحكم الكثير منا على البعض وكأن الحزن عار أو الغضب عار رغم أنه ليس بالضرورة مرتبط بإظهار فعل معين، أحيانًا كثيرة يحاول البعض منّا تهدئة أمرٍ غير مقبول لمجرد التجنب، تجنب المواجهة. نعم على المرء أن يقيس الأمور قبل أن يفعل أي شيء، وهذا ما نتحدث عنه في رد الفعل. ولكن هناك دائمًا حدود معينة يضعها الشخص لنفسه وللآخرين. هو جزء عمومًا من تقدير الذات، وتجاوزها تعدي. محاولة الحفاظ على علاقة/عمل/.. لا يحترم ذلك هي مشكلة بحد ذاتها. وتقليلك من شعورك بالغضب لأمر تم التجاوز فيه، هو أحد صور الإيجابية السامة.
تجنب الذات، تجنب شعورك اللحظي، محاولة تخدير مشاعرنا لا يجعلها تختفي، هي تظهر من جديد في قلقنا، في مخاوفنا وفي صراعاتنا التي لا نفهمها. وعلى العكس. كل ما كنا لذواتنا أقرب، ألطف كلما حاولنا فهم مانمر فيه، وتفهمه. كل الأخطاء التي قمنا بها، وكل الخطى التي ظنناها ستوصلنا فورًا ولم نصل. كل شعور إحباط، وخيبة وخوف. كلها تستحق الاحتواء، هي جزء من تجربتنا الإنسانية في العيش. لا يمكننا أن ننكر ذلك ونمضي. ستعود كل هذه المشاعر بشكلٍ آخر وقد لايبدو مفهومًا، قد نتجنب أمر ما لأننا خفنا الخوض فيه بعد تلك المرة، أو نهرب من شيء ما لأننا نتذكر مشاعر الإحباط في موقف مماثل. تقبلنا وتصالحنا مع كل ما نمر فيه من مشاعر مختلفة، هي قوة تدفعنا للاستمرار.
يعارض مفهوم الرضا الإيجابية السامة، لأننا متى ما وجدنا تقبلنا لما نمر فيه وجدنا الرضا. بدون إنكار وتقليل من مشاعرنا، نحن راضون رغم الإحباط، لأننا نعلم أنه جزء من الرحلة. راضون رغم خوفنا من القادم، لا ننكر الخوف، لكننا نريد خوض التجربة رغم وجوده. كثير من أصحاب هذا النمط، يتجنب جدًا وجوده حول أشخاص يشاركون حقيقة شعورهم، لأنه قد يثير فيهم مايتجنبونه أو لأنهم يخشون الشعور بذاته، بعيدون كل البعد عن التعاطف أو كما ترجمها الدكتور أعلاه “المواجدة” . وعلى العكس، المتصالحين مستعدين لمشاركة تجاربهم أكثر، مستعدين لفهم الشعور وأساسه وإيجاد المنفذ. الإقرار بماهية شعورنا صحي ومهم، وعمله يساعد على المضي بدلًا من التصارع معه من حين لآخر نتيجة كبته.
البعض حتى لا يمكنك الحديث عن مرض أو صعوبة أمرٍ ما، حتى يقاطعك بـ”بتعدّي، بسيطة، مافي شيء يستاهل” وغيره، حين نشارك أمورنا وتجاربنا نحن نقرّ بماهية شعورنا، لا يعني أننا لا نرى منفذ أو أننا في أسوأ وضعٍ ممكن أو أننا لن نستطيع التجاوز. المشاركة وخصوصًا بين من نحبّ أمر طبيعي ومستحب، وتكرار شعارات بأننا نحمل مايكفي لنسمع للآخرين لا معنى لها ولا قيمة. أحب أن أكون بقرب أحبتي في كل مايمرون به، ويعزّ علي رفض من يشاركني أمرًا يثقل عليه ويرى فيني الثقة لأستمع له. نحن نضع وقتًا وجهدًا في أي علاقة تعنينا، ووجودنا فيها ليس مقتصرًا على مانحبّ من أوقات. إذا لم نكن فيه وقت الحاجة متى سنكون؟ وإذ لم أشعر بك في ضيقك وحزنك ماحاجتك بي وقت الفرح؟
هنا قائمة بأمثلة بسيطة، تتكرر علينا كثيرًا، في حال كنت لست متأكدًا إن كنت تقوم بذلك أو لا، أظن أن الصور الموضحة أدناه مفيدة. إن كنت تظن أنك قد تقوم بذلك، حاول أن تتفهم أكثر وضع من تحبّ، وإن كنت تتضايق من فعل أحدهم لذلك، شاركه التدوينة لعلّه فعلًا لا يقصد أن يقلل من حجم ما تمرّ به : ).
أعلم أنه من المتعب جدًا أن تشعر بأن شعورك لا معنى له، أو أن يذكرك أحد باستمرار بأن أحدهم وضعه أسوأ منك. هذا فعلًا لا يقلل من معاناتك، لكنني دائمًا مع أن نحاول مع من نحبّ، قد لا يتعمد ذلك، أو قد يظنها الطريقة الأنسب للحديث. امنح الفرصة ووضح لهم مايناسبك. والأهم، تأكد دائمًا أن لك الأحقية في الشعور الكامل بما تمر به، أيًا كان.