فن الحياة

IMG_3317

مرحبا ..

صباحات زحمة و طقس حار إلى معتدل نسبيًا ، و أحيانًا قطعة من حلوى الخطمي تداعب أشعة الشمس المستيقظة مبكرًا.

عدنا من جديد إلى العمل و الروتين الذي يفضله الكثير على فوضى الإجازات كما يقولون ، و عمومًا لا مناص من الدوام ، فغياب يوم أو يومين لا يعني أنّ الإجازة في الحقيقة تطول.

رافقني هذه الفترة كتاب فن الحياة لفريدريك لونوار ، و الذي كان يخاطبني حقًا ورغم فلسفته إلا أنه بسيط شامل و خفيف لطيف للصحبة.

يقول في البداية :

وجود الإنسان واقعة حقيقية أما أسلوب عيشه فهو فن من الفنون

.و بالتأكيد أنت من تحدد نوع فنك و مستواه ، رغم المحيط و العوامل الاجتماعية المؤثرة إلا أنك تستطيع على الأقل السيطرة على بعض أمور رئيسية تسهل لك ما بعدها.

وُلدنا و كنا واقعًا في هذه الحياة ، أما بالنسبة لتعايشنا معها فهو مختلف فيه من شخصٍ لآخر ، فكما هناك أشخاص بلغوا الغايات الكبرى من النجاح و الوصول إلى العالم أجمع بدراسة أو بدون ، بنجاح مشروع أو بعمل خيري ، هناك من توقف في وسط الطريق يائسًا ، و كما يوجد أشخاص تعلّموا الحد الأعلى مما يحبون و مارسوا من الهوايات قدر ما يودّون ، هناك أشخاص توقفت محاولاتهم عند الهواية الثانية.

لا أحد منّا يولد ناجح ، أو فنّان ، لا أحد و إن كانت فطرته أو جيناته تحمل الكثير الكثير سيتسطيع فعل أي شيء إن لم يكتشف ذلك بالمحاولة ، و من هنا كان علينا العيش بحثًا عمّا نحن نرى أنفسنا فيه ، و من هنا كان الإنسان يجري في كل مكان.

التربية عامل أساسي بالتأكيد لإتاحة الفرص لنا لمواجهة العالم الخارجي ، و لتأسيس أهم مبادئنا و قناعاتنا إن لم تكن إحدى العادات بالطبع.

تساؤلات الكاتب

كيف السبيل إلى أن يحيا الإنسان في سلام مع نفسه و الآخرين ؟ ما رد الفعل الواجب اتخاذه تجاه الألم ؟ كيف لنا أن نعرف أنفسنا لنحل مشكلاتنا المتناقضة ؟ و كيف نستطيع الاستحواذ على حرية باطنية حقيقية؟ و كيف يحسن بنا أن نحب ؟ و أخيرًا كيف يتيسر لنا بلوغ السعادة الحقيقية الدائمة وهي بلا ريب رهن بكيفية العلاقات القائمة مع الذات و مع الآخرين أكثر من ارتباطها بالنجاح الاجتماعي و اقتناء الخيرات المادية؟

يقول  أغسطينوس

السعادة هي أن يواظب المرء على تمني ما يتملكه.

الفكرة التتي واتتني مما سبق اقتباسه ، أن قناعة الإنسان بما لديه من ملكات و ممتلكات يورث الرضا ، وكما أرى فإن السعادة رضا.

من طبع الإنسان الطمع و اللا حدود في الرغبات و فمهما أعطي يظل يطمح للمزيد وكما يقول الرسول عليه الصلاة و السلام :

( لو أن لابن آدم واديًا من ذهب لأحب أن يكون له واديان ، ولن يملأ فمه إلا التراب ، و يتوب الله على من تاب)

.يتناول فريدريك الحديث عن أننا نستطيع البقاء رافضين ما نحن عليه من مكان ولادة أو عائلاتنا أو الأقدار التي لا فرار منها ، نستطيع البقاء رافضين فكرة الأمراض و الشيخوخة و الموت ، لكننا لن نستطيع تذوق الصفاء و السلام الداخلي ما دمنا في حال صراع على ما نحن فيه وعلى مانريده.

فكرة تقبل  و قبول الواقع هي أولى الخطوات للتصالح مع الذات ، والتي يليها التصالح مع ما حولك من أشخاص و علاقات اجتماعية و خلافه.

.يقول نصًا

بمجرد ما يقبل المرء الحياة و كيانه يوفر لنفسه شعورًا بالامتنان يعتبر بحد ذاته مصدر سعادة ، يتيح له الاستفادة كليًا من الإيجابيات و تحويل السلبيات ما أمكنه ذلك ، فالموافقة بالإيجاب هي موقف باطني يشرع أبواب أنفسنا لحركة الحياة و حالاتها الطارئة، و أحداثها الغير مرتقبة ومفاجآتها العديدة. إنها نوع من تنفس الهواء يسمح لنا بمواكبة سريان الوجود في باطن النفس.

يستحيل علي في مواجهة الرعب و أمام وجع طفل لا حد له و إزاء ترحيل ملايين الأبرياء و إبادتهم أن أفهم و أوافق على مايجري. إن الشر يثير استنكاري فأرفض أن أجد له مبررًا له. على أن هذا الوعي للطابع المأساوي و غير المقبول لبعض الأحداث لم يصرفني يومًا عن حب الحياة . فما زلت أعتقد أنها جديرة بالعيش رغم كل شيء.

.

كلٌ مسؤول عن حياته

من يرتبط بعلاقة شخصية أو عمل أو حتى دراسة بشكل متردد فلن يكتب لهذه العلاقة النجاح حسب ما يعتقد فريدريك :

.

عندما لا يتقن المرء عمله و لا ييقوم ببذل جهد صادق لا يشعر بأي رضى نفسي ، لأن الحياة الناجحة هي دائمًا ثمرة التزام و انخراط حقيقي في جميع مجالات الوجود.

مسؤوليتك عن حياتك يعني أنك مسؤول عن التكيف بها كيفما كانت ، و أن علينا أن نصلح عيوبنا و ننمي ايجابياتنا و نرتبط بعلاقات مع الآخرين او أن مصيرنا سيكون الانطواء على ذواتنا .

فكرة ان كل ما حدث لك هو بسبب الدولة / خطأ الطرف الآخر/ سوء حظك، هي فكرة تلغي كونك مسؤول عمّا يحدث لك ، و أنك تنظر على أن كل ما يحدث هو من الخارج دائمًا .

.يقول فريدريك

حين يخاف الأفراد يتنازلون عن حريتهم لسلطة قوية ، و يتخلون عن مسؤوليتهم كليًا. و على نقيض ذلك ، أولئك الذين هم مستعدون لتحمل تبعات مسؤوليتهم و يعو حقًا أنهم مسؤولون عن حياتهم ، إنهم لا يطالبون بنوع من (التأمين ضد كل الأخطار) لمواجهة تقلبات الحياة و مخاطرها بل يتحملون تبعات أعمالهم مدريكن أن خير رد على عقبة خارجية يتعذر تخطيها هو رد نابع من الداخل.

.يحتاج البشر إلى القيام بفعل ما ليشعره بالرضى و الارتياح ، و هذه من أنواع الفروقات بيننا و بين الحيوانات التي لا تستجيب عندما تبني أعشاشها أو جحورها و قفرانها لمبدأ المتعة ، بل تخضع لغريزة البقاء. بينما يحتاج الإنسان لشيء أكبر من الحاجة للبقاء ، هو بحاجة لتوظيف طاقاته في عمل و نشاط و إبداع ، لأن عدم الجركة يثقل عليه بكل ما في الكلمة من معنى و يسحقه حائلًا بينه و بين الإحساس بذاته بصورة كاملة. وتتجلى هذه الخصوصية لدى االطفل منذ نعومة أظافره فيبدأ بالتنقل و اللعب، يفكك الألعاب و يركبها من جديد، يحاول توظيف طاقاته. نحن نسعى لتحقيق توازننا و العمل ليس لغرض المال و حسب ، فنحن نقوم بالتنظيف و الرياضة و الأعمال اليدوية.  للإحساس بأننا عامل تطوير للواقع الخاص بنا.

.يقول الفيلسوف الآن

العمل هو الشيء الوحيد اللذيذ و الكافي ، أعني العمل الحر وليد قدرة و مصدرة قدرة على السواء .. هذه المتعة متوافرة في جميع المهم لأن العامل يبدع و يتعلم على الدوام.

.وعلى الرغم من أهمية العمل في تحقيق التوازن الذاتي و إرضاء رغبات الشخص و شعوره بالسعادة. إلا أنه يظل على المرء حقًا على نفسه و أن يوازن بين ما يفعل و ما يحتاج من العمل و الراحة أيضًا!

الكثير من الناجحين و المبدعين حول العالم يسعون لتخصيص بعض الأيام من أجل نفسهم فقط ، و البعض الآخر يسعى لفعل ذلك بشكل يومي،  تخصيص بعض الوقت من أجل التأمل او بعض الأيام من أجل السفر و الاسترخاء يساعد في العودة من جديد للعمل بروح قوية أكثر. الراحة لا تشمل النوم فقط ، من الممكن أن تكون في تجاهل بعض الأعمال المنزلية ، أو القيام بأمور شتى لا عائد لها بالنفع بل لمجرد المتعة.

و كما يقول فردريك

إننا نخشى فترات الاسترخاء التام لأننا نحس بها و كأنها من الوقت المهدور بينما لنتعلم  على العكس أن نشعر بها كأنها من الوقت المكتسب.

.إننا نعيش مكونين علاقات مع الآخر ، و رغم هذا فالأساس مبني علينا ، علينا أن نحب ذواتنا قبل كل شيء و نحترمها . يتعلم المرء حب ذاته من بداية الطفولة ، فحين يكون الحب المتلّقى كفاية سيعني للطفل على صعيد العقل الواعي و اللاواعي بأنه جدير بالفعل بأن يُحب. و سينعكس ذلك بصورة إيجابية و يدفعه للاعتداد بنفسه و تنمية علاقة جيدة مع ذاته. ووجود العلاقة الجيدة مع الذات يساعد الشخص على تكوين علاقات جيدة مع الآخر كما سبق القول ، و القاعدة الأساسية للتعامل مع الآخر بعد الاحترام  هو “لا تفعل للآخرين مالا تريد أن يفعلوه لك”

وقد قال الرسول عليه الصلاة و السلام

(حب لأخيك ما تحب لنفسك)

.بالتأكيد هناك بعض الأخطاء التي قد تحدث في أي علاقة ، لكن الأسلم لك و لقلبك هو الغفران و التسامح تقول حنة آردنت

لولا الغفران لبقينا أسرى أعمالنا و تبعاتها

.

الغفران لا يعني النسيان ، بل النجاح في تسكين الجرح الذي أحدثه الآخرون. وأخيرًا أهم طريق في الحياة يقوم على الانتقال من الجهل إلى المعرفة و من الخوف إلى المحبة. و السعادة في هذه الحياة  لاتعتمد على ما لديك وما ليس لدى الآخرين ، بل على مدى رضاك عمّا أنت عليه.

المقالة السابقة
أضف تعليق

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

  • الأرشيف

  • مدوّنات أخرى

  • Goodreads