مساء الخير، كيف تبدو أيامكم؟
عن الحياة بعد التخرج،المشوار الجديد، وكثرة النصائح والاستشارات المجانية التي تصلك. عن أن يخطط الآخرون مستقبلك بكل حماسة، وينظّرون فيما يخصك بالتفصيل، رغم أن كل الحكاية تكمن في تولي زمامك للأمور. أنت وحدك.
سؤلت كثيرًا عن هذه التدوينة، ووصلتني طلبات كثير رغم أنني تعمدت تأخيرها، وبودّي أيضًا لو أخرتها سنة إضافية. فقط لتكون الصورة أكثر وضوحًا ويمكنني الكتابة عنها بشكل أوسع، لكن ها نحن ذا!
قبل أن تكمل القراءة، حضر وجبة خفيفة أو كوبًا من مشروبك المفضل، هذه التدوينة مفصلة وطويلة ومع ذلك ممتعة
تنويه:سأتحدث بشكل خاص عن تجربتي، ولكن سأضمن فيها ماتعلمته مما مررت فيه خلال كل مرحلة تقريبًا. وقبل أن تكمل، تأكد بأن وجهتنا تختلف، ما نحن عليه، التوقيت، المكان، الرزق. من الممكن أن تتوظف قبل التخرج، من الممكن أن تتوظف من أول مقابلة. هذه التدوينة هي قصة كاملة لتحكيني أنا. ولست أنت أنا. إن كنت قلوقًا ستتعب. اقرأ بذهن صاف، فليست الحياة على حدٍ سواء.
لتبدأ معي الرحلة، هنا تدوينة التخرج، تخرجت بفضل الله في منتصف 2017 تقريبًا.
لم تكن لديّ خطط مذهلة، فكرتي كانت سآخذ عشرة أيام عزلة من كل شيء وبعدها ستكون فترة نقاهة، عودة للذات على الأقل شهرين. بحكم أن دراستي لم تكن بتلك اليسيرة وأعرف يقينًا بأنني أستحق بعض الوقت مع ذاتي. تخرجت قبل رمضان بيوم واحد تقريبًا، وخلال العشر الأوائل من رمضان كنت فعلًا انتهيت من عزلتي التي خططت لها، وبنفس الوقت اتضح أنني أعاني من أمر صحي وعليه لا بد أن أجرّي عملية جراحية بأقرب وقت. طبعًا الموضوع غير متوقع ولا 1%، لكن مثل هذه الأمر تحدث في حياة كل مرء أليس كذلك؟
عمومًا كان الشهر الأول والثاني من بعد التخرج في مواعيد كثيرة وعليها موعد الجراحة وعليها فترة لجسدي كي يرتاح قليلًا، ولروحي كذلك. تقريبًا كانت بين يونيو ويوليو، كما قلت مسبقًا لم تكن خطتي البدء بالبحث عن عمل، ليس لأنني لا أودّ ذلك. ولكن خطتي كانت مختلفة قليلًا. لكن مالذي فعلًا حدث؟ خلال نفس الفترة وماقبل الجراحة، كنت على تواصل مع بعض الأشخاص، لا أستطيع وصف حجم القلق الذي أدخلوه بي. غير ممتنة لما حدث، اتصالات ورسائل واستفسارات وتعجّب عما “كيف حنان لا تبحث عن عمل؟” رغم أنني كشخص وبوقتها كنت متأكدة من أنني أريد العمل لكن حتى الفترة التي كنت فيها كانت حرجة جدًا. ومع كثرة الحديث وضعت نفسي في دوامة قلق لا داعي لها. ليس لأن العمل غير مهم، ولكن لأن صحتي أولى بوقتها! والله أتذكر أنني كنت أخرج من المستشفى للمقابلة، وكنت أحاول التنسيق بين مواعيدي والعملية ومواعيد المقابلات، وكأنّ الحياة ستتوقف فجأة أتذكر أنني لم أحبذ الحديث عن وضعي الصحي آنذاك لكنني اضطررت لأخبر بعض “الزنّانين” لأرتاح من كثرة الكلام.
مرّت الفترة بخير والحمد لله، وحسب مذكراتي فقد قمت خلال هذه الفترة بعمل مايقارب 7 مقابلات وبضع اختبارات مطلوبة أيضًا. سافرت بعدها بفترة، وبعد العودة بنفس الفترة انشغلت بين المناسبات الاجتماعية، بعض الفرص الوظيفية ونقاشات كثير حول ماكانت تستحق اللحاق بها أم لا.
مختصر أول شهرين:
- اعملوا كل ماتحبون بكل وقت. استكشفوا ذواتكم في كل يوم واستمتعوا بكل الوقت الذي انتظرتوه منذ وقت طويل.
- لا نستطيع تخطيط كل ما بالحياة، والتفكير بأن علينا التحكم بكل الظروف هو أمر مثالي لا وجود له.
- الصحة قبل كل شيء. فالحمدلله على كل يوم نحياه بصحة وعافية.
- اهرب من القلقين، إن كنت كذلك لابد أن تجد حل.
الشهرين التي تليها، قمت بالتقديم على كل الأمور المتاحة آنذاك، التسجيل ورفع المعلومات يأخذ وقتًا طويلًا، بالمناسبة إن كنت مهتم بالتقديم على وظيفة والاستعداد لذلك هنا تدوينة مفصلة بكل مايهمك. خضت حوالي عشر مقابلات وضعفها بالنسبة للاختبارات المطلوبة، وهي مكررة تقريبًا لذلك قد تحتاج أسبوعين لثلاثة للتدريب وبعد ذلك ستمضي الأمور بإذن الله. هذه الفترة لم تكن مثل التي تليها، كنت أهدأ بكثير، أفضل. ورغم كثرة اهتماماتي والأمور التي أقوم بها بشكل يومي إلا أنني عرفت كيف أرتب أموري أكثر للعمل وكيف أكون بالمقابلة. وغيرها من أمور. خلال هذه الفترة وصلني كم عرض وظيفي ولكن قطع هذه الفترة عيد الأضحى لذلك غالبًا كانت الأمور متوقفة. وبعدها عدنا من جديد، أحد العروض كان بمدينة “الرياض” وأخذ الموضوع وقتًا طويلًا للغاية ومع ذلك كنت مستعدة للانتظار إلى أن تتم الأمور. العرض الآخر كان تدريب منتهي بالوظيفة ولم يكن يستحق بنظري لذلك ماطلت قليلًا.
يليها آخر شهرين من 2017، بعد كثرة الضغط علي من المقربين لي بالقبول بفرصة التدريب قررت خوضها كتجربة، كنت خلالها بدأت أكثر من Online courses بمجالي وقررت أنها فرصة للبدء بتطبيق ما أتعلمه مادمت أستطيع. الفرصة كانت مثلما توقعت، كل كم شهر يفتحون فرص للتدريب لرفع مستوى السعودة آنذاك بالإضافة لإنهاء الكثير من الأعمال المترامية وزيادة نقاط للشركة بحكم زيادة حجم التدريب لديها. الشركة قوية جدًا وبيئة العمل لم تكن سيئة، عملت بها بينما كنت أقوم بمقابلات أخرى هنا وهناك، سافرت أيضًا بنفس الفترة لبضع اختبارات ومقابلات بأماكن مختلفة. خلال فترة التدريب طبقت كل مايمكن تطبيقه مما درسته وهذا وضّح علي الكثير مما احتجت إليه. ساعات العمل كانت طويلة، وبما أنها كانت نهاية سنة، لا أحد يعرف عن أحد، الكل يركض لإنهاء ما يمكن إنهاءه، استغليت الوقت الطويل في الوثائقيات والكتب والتعلم من كل مصدر معلوماتي متوفر لدي هناك، وعمومًا كانت مصادر ثرية جدًا ومخصصة لموظفينها فهذه النقطة كانت جيدة. خلال هذه الفترة كان يُطلب مني أن أقوم بتسليم مشاريعي بوقت مفاجئ، القيام بعرضها أمام بعض الأقسام بدون إعلام مسبق. لكنني لم أتردد قط. عملي وأعرف مالذي أقوم به، أليس كذلك؟ لم أسلم من الوعكات الصحية أبدًا ومازلت أؤمن بأنّ مزاجي كان يؤثر على صحتي سلبًا.
بنفس الفترة العرض الذي كنت أنتظره (بمدينة الرياض)وصلني اتصال لا أعرف ماهيته من أحد أعضاء اللجنة، بأسئلة رياضية حول معلومات مختلفة، بعد الإجابة ضحكت لأنني عرفت أنها مجرد طريقة لإخراجي من الموضوع، تواصلت بعدها مع عضو آخر ليخبرني بأن العضوة التي وردني الاتصال منها قد وظّفت شخص آخر وأنه يعتذر عن ذلك. بنفس الوقت وصلني عرض بشركة أخرى، نفس المجال التي تدربت فيه، ولكن كعرض وظيفي لا تدريبي. لذلك قررت المضي.
خلال كل هذا لم يتوقف الكثير عن إخباري بأن كل شيء يأتي بالواسطة، وأن ادعاء غير ذلك هو مجرد مثاليات، وكلام كثير لا ينتهي حول ذلك. كانت هناك فرص ذهبية تلوح لي، أخبرني الكثير أيضًا بأنها لأشخاص معينين وأنه لا جدوى من التقدم لها. على الجانب الآخر كان هناك 4-6 أشخاص يرون أن انتهاز الفرص أمر جيد، بطريقة أخرى “ليش لأ؟” ممتنة لهؤلاء. عمومًا من قبل تخرجي بفترة وجيزة آمنت بأن الحياة ستعتمد كثيرًا على المبادرة، ورفع اليد متى ماحانت الفرص. بغض النظر عن كلام الفئة الأولى. أعرف أنّ كثيرًا من الفرص الوظيفية تنزل للسوق وهو معلومُ بأنها لأشخاص معينين أو فئة معينة أو أو. لكنني أؤمن بأنّ رزقي من الله ليس من البشر. وأنّ متى ما أراد الله لشيءٍ أن يكون، لن يستطيع أحد أن يوقف الأمر. مع ذلك، كثرة الحديث والنصائح وإخباري بأنّ كل شيء أسود ولا يوجد وظائف كان يجعل مزاجي متذبذب جدًا. تخصصي جديد على بنات جنسي آنذاك، ورغم أنه لم تمر سوى سنتين من الأمر إلا أنّ اليوم كل شيء تغير، فرص كثير أخبروني فيها بأنه لا أحد يعرف عن توفر تخصصي للبنات! ومع ذلك أؤمن بأني حظيت بامتياز السكن بمدينة كبيرة، لم يكن من الصعب ذلك. رغم أنني كنت أرى أغلب ما أريد في الرياض أو على الأقل السوق أقوى بكثير هناك.
انتهت 2017 وخلال مدة الـ4 شهور تعلمت الكثير عني وعن العالم/
- لقد عملت طوال عمري على أن أتعلّم في كل يوم وحين دخلت لسوق العمل دخلت بنظرة أن كل الآخرين رائعين، وأنا عادي. لكنني وجدت أنني شخص فوق الجيد جدًا. ليس مدحًا ولكنني فعلًا أسأت تقدير نفسي في بادئ الأمر، لقد ظننت أن كل ماعملت عليه شيء عادي وفي الجميع، لكنه ليس كذلك. كل المقابلات والأشخاص الذين صادفتهم عرفت منهم ذلك. وغيرت طريقتي بالحديث عن ذاتي وكسبت الكثير من المقابلات فقط لأن نظرتي لما أنا عليه تغيرت.
- الكثير يعمل في أماكن ممتازة، وبمناصب مذهلة، لكن الأخلاقيات لا يملكها كل أحد. في الواقع.
- إذا أردت الحصول على شيء بطريقة معينة، حاول تجاهل كلام الآخرين قدر الإمكان. ركّز على هدفك فحسب.
2018 وسنة جديدة.
بعد مايقارب ست أشهر وتجارب مختلفة أيقنت أنّ علي القيام بأمور كثير مختلفة وأن أبدأ أمور جديدة، وعليها قررت:
- بدء العمل بشكل مستقل لكتابة المحتوى.
- البدء بخطة جديدة لتطوير مهاراتي واستحداث عادات جديدة مستمرة، وهنا تدوينة مفصلة حول الموضوع.
- البحث أكثر مع التمسك بما يوجد.
وقتها بدأت العمل بمكان جديد، المكان الذي قبلت فيه كوظيفة بدل تدريب. لم يعجبني المكان على الإطلاق. لكنها الفرصة المناسبة وقتها. عملي كان “لا شيء” بدون مبالغة. 9 ساعات بدون القيام بشيء واحد. كنت وكأنني أتوسل بأن أساعد بأي شيء ولكن بدون أي جدوى. وبعد فترة اتضح أن الموضوع فقط لرفع نسبة السعودة أيضًا! مضحك. والأسوأ من ذلك لا يوجد أي مصدر تعليمي، الشبكة بداخل المبنى لا توجد لذلك لا يهم إن كان لديّ نت أم لا. وطبعًا الحل كان بالكتب لول! بالمناسبة أول صفحة كتبتها بمذكرتي لهذا العام كانت “ولسوف يعطيك ربك فترضى”.
للأمانة ظروفي بشكل عام لم تكن بأحسن أحوالها، صحتي كذلك. مع ذلك لم أتوانّ عن الخطة، والعمل للتحسين من نفسي وتطوير عادات مستدامة. خلال الأربع شهور الأولى، عملت جاهدة فعلًا وكان متنفسي كذلك. في نفس الوقت بدأت باستقبال الطلبات بما يخص الكتابة. ولم أتوقف عن عمل المقابلات أو الاختبارات المطلوبة لذلك. كنت أسافر ذهاب وإياب بنفس اليوم من أجل ذلك. أقمت ورش عمل وقفزت كثيرًا خارج منطقة الراحة. والأهم لم أتوقف عن التعلم الذاتي والاستثمار في نفسي.
خرجت بعدها من ذلك المكان. وكنت مستمرة بالمقابلات بما يقارب مقابلة لاثنتين بشكل أسبوعي. حصلت على عدة عروض مرتبطة بشروط شخصية للغاية. الكثير كان ينصحني بأن أقدم شكوى بوزارة العمل، لكن كيف يشتكي المرء بلا إثبات؟ لقد آمنت بأنّ هذا الدرب دربي وأن علي الخوض فحسب. بعد خروجي بالضبط توفت جدتي لأمي، رحمها الله. أظن أنني كتبت عن هذا اليوم سابقًا. بدون كثرة تفاصيل. أتذكر أنني كتبت على سبورة صغيرة بغرفتي “عشّ اللحظة فحسب”، لهذا اليوم لم أمسحها ولا أفكر بذلك.
أربع شهور أخرى فمالذي حدث؟
- الكثير سينّظر ويتفلسف ويحلل وضعك، الكثير سيخبرك بأنك لم تجتهد، أو أنك لم تعمل كل مابوسعك أوو… ووحدك من يعرف كل ما مررت به. تجاهل كل ذلك، توقف عن رؤيتهم لفترة إن أمكن. أما إن كان مجرد شخص يكتب بوسيلة تواصل معينة يمكنك فقط التوقف عن متابعته.
- أصبحت أكثر اتزانًا، يقينًا. ومعرفة بأن هناك أمور ستعيق ما أريد الحصول عليه. لكنني أؤمن بأنني أستحق ما ظللت طوال فترة دراستي أعمل عليه. وأنّ علي السعي للأسباب وعلى رب السماوات الرزق، فمما أخاف؟
- هدأت كثيرًا. توقف التذبذب. أنا مستقر اليوم، أنا راضي وأعرف أن رزقي موجود، أنا فعلًا مطمئن.
- آمنت بأن العلاقات بالمواقف، وأنّ رغم صعوبة بعض المواقف إلا أنّ قطع كل علاقة ليس حلًا.
ماذا بعد؟
بعدها كانت فترة عائلية نوعًا ما، انشغلت بأمور تهمني، مازلت أعمل بشكل مستقبل ومازلت أحسّن في ذاتي، سافرت أيضًا. وخلال هذه الفترة قمت بالوصول إلى أقصى عدد مقابلات منذ تخرجت، وصلت المائة لول! رأيت العجب والله واختبرت أكثر من ذلك بقليل. أتاني عرض لشركة كانت في أحلامي فقط. عملت كأول سعودية بهذا المنصب بهذا المكان. فكيف كانت الرحلة.
جزء الأسبوعين الأولى:
لا أعرف مالذي أقوم به، أعمل نعم لكنني أعرف أنّ هذا ليس كل مابوسعي وأن بإمكاني القيام بشيء يمثلني فعلًا ويعنيني. شككت بنفسي والمكان والحياة والتخصص، سمعت بعض الكلام الذي لا يريد أحدًا سماعه. ومن ثمّ فتح الله عليّ بابًا لا أزال أحمده عليه في كل يوم.
مابعد الأسبوعين:
على إثر ساعة واحدة بدون مبالغة، أتيت اليوم الذي يليه كشخص آخر، بدأت بالعمل بشكل مختلف جدًا. عملت وقتها من أجل ذاتي وذاتي فحسب لا أحد آخر. كنت أتعلم من ذاتي وأتواصل مع أشخاص من نفس المكان بأماكن أخرى للمساعدة، خلال 3 أشهر وصلت لمكان لم أعتقد أنني سأصله في بادئ الأمر. حمدت الله كثيرًا. ولكنني فكرت قليلًا في أن أترك المكان،والسبب؟ وصلتني عروض من عدة أماكن، من نفس الأماكن التي عملت بها مقابلات، تتذكرون الفرصة التي أردتها بشدة في الرياض؟ تقييم المقابلة تلك أتتني بأكثر من 3 عروض ومقابلات مختلفة. فقط من أجل ماتركوه “كتقييم” عني! وهذا من نعم الله علي.
رغم كل هذا، عدت لفكرة أنني سأبقى وفق خطة معينة أسير عليها. فعلت ونلت بفضل الله. عملت دون توقف بغاية وهدف، قرأت خلالها كتب كثير غيرتني وساهمت في أن أكون نسخة أفضل بمكان العمل، عملت بمشاريع مختلفة ومع أشخاص من فروع أخرى، أنهيتها بكل تمام والحمد لله. عملت، عملت لساعات طويلة كما تطلب مني، وصلت لأكثر من ١٥ ساعة. كنت أستيقظ بوسط نومي فزعة من التوتر وآثار الجهد، كان لحسن حظي عملي بجانب البحر مباشرة، وكان ملجأ لي بعد كل ضغط. وخلال ست أشهر حصل أمر لا أعرف كيف أصفه بالضبط. وصلني بريد أمر ترقيتي من جهة عليا، عليها عدة إجراءات. وهذا كان الهدف الأول. كان جلّ تركيزي أن أعمل بكل جهد لأصل لعدة أمور ومن خلالها سأعمل للوصول لما أوّد فعلًا. وعلى فكرة “ما أودّ” أحب أن أخبركم بأنه مررت بالكثير من التساؤلات اللامنتهية، وصلت لنتيجة أهمها بعد أن راودتني الكثير من الشكوك بعد القراءة في كتاب “So Good They cannot ignore you” هنا سلسلة تغريدات لكي أوفر علي و عليكم بعض الوقت. مشيت بالإجراءات وكنت وقتها بمرحلة رائعة من التصالح، نوايا جديدة وأفكار عملت عليها أثناء سفري ليومين. صفيت بها ذهني وقررت خوض كل شيء بشكل آخر! صحيح خلال هذه الفترة أيضًا تعرضت لوعكة صحية، نزلت على إثرها الكثير من الوزن، كنت أسلّي نفسي أيضًا بالجلوس والتأمل عند البحر لساعات طويلة. و عدت أفضل بحمد لله من جديد.
قبل أن أكمل سأترك هنا ملخص للفترة وماتعلمته خصوصًا فيما يخص التعامل في بيئة العمل:
- ماتمر به قد لا يمر به غيرك. لا تقارن أو تفكر كثيرًا في الأمر، هذه حياتك الخاصة ومعيشتك أنت. خلال كل هذا فهمت جدًا بأن عليّ الخوض مادمت أريد معرفة النتيجة. الخوض فحسب والتعامل مع كل ما سيأتي لأن هذا قراري وعليه تترتب النتيجة.
- التركيز، التركيز، التركيز. للأمانة التساؤلات الكثير تشتت الذهن، آمنت بأنها أمر طبيعي. لذلك قررت التركيز باللحظة الحالية أكثر وأكثر، أين أنا؟ هل هناك مكان بديل جاهز وأودّ أن أكون فيه؟ إذا كانت الإجابة بلا فجميع التساؤلات بالنسبة لي هي أمر طبيعي سيتردد علي لأني شخص يبحث عن نفسه باستمرار. لذا التركيز مطلب أكثر، وأشد على نفسي بالعمل بكل جد لأصل لأقصى شيء يمكنني الوصول إليه. فمتى ماتعذر الوصول ووقفلت كل الجهات حينها سأقوم بتغيير الوجهة.
- سيعاملك الآخرين كما تريد أنت. إيمانك وتقديرك للذاتك ينعكس عليك، فإما أن تعطي صورة بأنك شخص جدير بالتقدير وو أو العكس. وفي كثير من الأحيان قد تجد نفسك عالق بالعكس ليس لأنك فعليًا لا تقدر ماتقوم به. ولكن لأنك تظن بأن عملك أقل مما يجب، أو لأنك مستعد لتحمل أقل مما أنت عليه.
- اعمل بجدّ، اجتهد، ولكن تعلم كيف تتكلم عن عملك. كيف تعبر عن نفسك. كيف تقول “لا”. الكثير في كل مكان إذا وجد أنه هناك شخص آخر سيقوم بالعمل بدلًا عنه لن يتردد. في حال لم تقل”لا” في حياتك ولا تعرف كيف تقول، ويهمك رضا الناس عنك طوال الوقت. صدقني ستخوض حياة متعبة. اقرأ عن الموضوع أكثر فلا ضير في بعض التغيير.
- لا تشكك فيما أنت عليه لأن الآخر يضعك في هذا الموضع. على سبيل المثال إن رفضت العمل في أمرٍ ما لأن ليس لديك الوقت لذلك، أو لأن لديك أولويات في نفس الفترة مثلًا. قد يهول الآخر من الأمر، لا بأس، فمع الوقت سيتعلم كيف يحترم الآخر وعملهم و أولوياتهم.
- هذا العالم مليء بالاتكاليين، قد لا تصدق حصول البعض منهم على مناصب كبيرة. يضغطون على الآخرين بأسلوبهم الخاص. إياك أن تصبح الطُعم. اعمل وساعد متى ما استطعت، ولكن متى ماوجدت أن أعمالك تتأخر لأنك مشغول بأعمال الآخرين، أو أن لا يوجد عندك وقت محدد للعمل فقط، حينها عليك أن تعيد ترتيب كل شيء من جديد.
- إن كنت وقعت في عدة نقاط مغلوطة مما سبق. فالتغيير لن يكون سهلًا. لكنه ليس مستحيلًا. يحترم الجميع من يعرف مكان نفسه، وحدود الآخرين تجاهها. صدقني!
- عينك دائمًا على الفرص، قد لاتكون بعضها رزقك في مرحلة معينة. لكن لا تضيع كل الفرص بحجة أنك لاتعرف كيف تقوم أو أنك خائف أكثر مما يجب أو أو.
- تعلم كيف تبادر، بحثًا، سؤالًا وإجابة. الحياة تحتاج للكثير من المبادرة.
- العمل وترك بصمتك الخاصة أمر جيد، لكنه ليس الحياة كلها، عد لهذه التدوينة فضلًا. لكن قيمتك الخاصة وماهيتك لا تعلقها أبدًا بأي مصدر خارجي إن أردت عيش حياةً طيبة.
- أمر آخر، سينصحك الكثير بأن تعمل بكل طاقتك في البداية، سيبالغ البعض بذلك، ولكن لا أحد سيغير ما أنت مؤمن به سوى أنت. على الحياة أن تكون متزنة لتعيشها. وأنت أيضًا تحدد ذلك.
- انتبه من القيل والقال، وكثرة الكلام. يعيش الكثير على هذا. حاول قدر الإمكان أن تتجنب ذلك، وهذا ليس متعلق فقط ببيئة العمل.
- هناك أمور ستكتشفها مع الوقت. كمن يعمل بجد، ومن يرمي عمله هنا وهناك. من يتلقى الذم رغم عمله ومن قد يصله المديح رغم أنه لا يقوم به. ستفهم بعض الأمور فقط في بيئة العمل وبناءً على من حولك، وهذا قد يتغير من مكان لآخر. المهم أن تفهم وقتها مدى أهمية أن تعرف متى تتكلم عن عملك. متى تري الآخر أهمية وجودك. ليس لأن المكان بدونك سيُهدم ولكن لأن الأشخاص يتأثرون بسرعة بالكلام. كلمة من هنا وكلمة من هناك وكل أعمالك تذهب لأن شخص واحد فقط بدأ الموضوع ببضعة أحرف.
- تعلم متى تواجه. متى تتحدث إذا كان هناك شيء غير منطقي يحدث، العالم لن يتغير فجأة من أجلك. لا بد من أن تبادر.
- اقرأ في مجال العمل، وفي مجال التعامل وفي مجال الذات، اقرأ في كل شيء تواجهه بدون أي تقصير. تعلم كيف تطور من نفسك، كيف تؤمن بها، كيف تميز نقاط قوتك وضعفك، تعلم كل ما لم تتعلمه من قبل عنك. العمل ليس اجتماع عائلي، أنت تبرز نفسك بقوتك وقدراتك وماتقرر أن تريه العالم.
حسنًا سأكمل، في بداية الشهر السابع وبوسط الإجراءات كنت أتأكد من بريدي في حال وردني أي طلبات جديدة لأتفاجأ ببريد قبولي بالجامعة بعد مايقارب السنتين من وقت المقابلة الوظيفية! ورغم تفكيري المسبق وخطتي الماضية قررت أن هنا الفرصة المنتظرة، والتي فعلًا أخذت أكثر من وقتها لتأتي. لكنها أتت كسلوى للقلب. قررت الاستقالة والقبول بالوظيفة وتوكلت على الله.
من أين أبدأ؟
في الثلاث شهور الأولى كان العمل لا يخص وظيفتي بالتحديد، ولكن لأن توقيت بدايتي كان مع نهاية الدراسة للطلبة. لذلك لا شيء يذكر بالتحديد. أو على الأقل هنا لول!
بدأت العمل ولست هنا للتحدث بتفاصيل عملي الحالي، لكنني أستطيع القول بأنّي أحمل على عاتقي أن أقوم بإلهام الطالبات، ليس بالطريقة السحرية أو بشكل غير واقعي. ولكن بالأمر الذي يجعلهم فعلًا يحبون ماهم عليه، يعملون له لأنهم يريدون أن يصلون لمكان جيد. يتعلمون لأنهم يحبون التعلّم لا لأنهم مجبورين على أن يتحملوا المرحلة فحسب! أحمل على عاتقي فكرة أن يفهموا ويتعلموا ويحبوا فكرة التعلّم. أن يروا العلم فعلًا نور ويستشعرون ذلك. وأنهم سيكونون يومًا كما يجب أن يكونوا لأنهم يستحقون ذلك. أحبّ ذلك رغم كل المسؤولية في الفكرة فحسب. وهنا سأقف عن الحديث.
مالذي أريد إيصاله خلال كل هذه التدوينة؟
- أن تعيش الحياة بشكل آخر. أنت تبحث أنت عن الفرص أن تحاول جاهدًا بكل ماوسعك وتجد الأبواب تُقفل ليس أمرًا هينًا ولا عاديًا ولا بسيطًا. لم تكن رحلة البحث عن وظيفة طيبة، ولست ممتنة للذين لا يفهمون ذلك أو الذين يخبرونك بأنّ الطرق السهلة هي أن تسقط قبل الجميع بطريقة لا تناسبني على الأقل.
- عش مشاعرك في كل مرحلة، لقد أخطأت في أيامٍ كثيرة حين حاولت أن أتجاهل ألمي. من الطبيعي أن أتألم، لقد عملت لسنين طويلة لأصل لمكان يليق بما أريد. من الطبيعي أن أحزن لتعبي إن لم يحصد النتيجة.
- المحاولة في كل مرة. لست سهلة بالاستسلام. لكنني تعبت فعلًا خلال كل هذا. تعبت حتى أثر على صحتي. ولقد ذكرت هذا في كل مرة تعرضت لها خلال التدوينة. ليس لشيء إلا لأنني أريد القول بأنه من السيء جدًا أن يصبح أمرًا ما أهم من صحتك. بطريقة غير مباشرة, بالتأكيد لم أكن أتوقع هذا في كل مرة لم أشعر بشيء حتى رأيت النتيجة بعيني. المهم خلال كل ماتمر به، حاول. اطرق الأبواب وجرّب. مالضير في ذلك؟
- التجارب تعلّم، تقوي، تغيّر. لكننا لا نشعر بذلك وقتها. أنت لا تعرف كم من المرات أتذكر كل ما مررت به وأحمد الله على ذلك. أنا اليوم أفضل بمئة مرة مما كنت عليه. ولست شخصًا مثاليًا بل لي عيوبي كما لأي مخلوق آخر. الفكرة هي أنني لم أكن بهذا الشكل لو ما كل مررت به.
- حب الذات وتقديرها ومحاولة أن تكون لطيفًا معها مهم. لا تكن لوامًا قاسيًا طوال الوقت. لنفسك عليك حق دائمًا، تعلم، جرب، تعلم من جديد وتغير ولكن لا تأخذ كل سقطة بعقاب!
- أرجوك وأرجوكِ توقفوا تمامًا عن تكرار المواضيع الساخرة وقراءتها ومتابعة كل ذلك. السخرية من والكوميديا أمران مختلفين تمامًا، لطالما ساعدتني الكوميديا على المضي. لكن السخرية من كل أمر تقوم به وإرسال الأمور المحبطة بشكل مستمر، لك ولغيرك يؤثر فوق ماتتخيل. أنت تلقن نفسك كيف تصبح أضعف، كيف ترمي بها للقاع.
- الفرص البراقة تأتي وتذهب. ومتى ما أردت التحليق حلّق. أنا أؤمن بأحقية المرء في أن يصطاد طيوره. بأن يركز فيما هو عليه ولكن لا يعني أن يغلق الباب في وجه كل شيءٍ آخر.
ختامًا، لا أعرف من يقرأ وماهي ظروفه. أعلم بأن هناك الكثير منهم أفضل مني، الكثير منهم أسوأ كذلك. كل مافي الأمر أريد أن أخبرك بأنني أتفهم. ولست “أفهم” كل ماتمر به. لكنني أتفهم شعورك ومكانك حتى لو لم أمر به. لا تضع بالًا لكل الأسئلة في كل مكان. لا تفكر بكل كلمة تصلك. إن كنت لا تفضل بعض الكلام كن صريحًا مع من حولك. لا تقرأ كل مقال يلومك كشخص لم يجد فرصته، وحاول دائمًا. جرّب العمل التطوعي إن أحببت، قم بما تريد من تجارب. عش حياتك كاملة واجعل البحث عن وظيفة كمهمة من المهام لا كالحياة كلها! لا تعلق كل حياتك بأمر واحد، ولا تلم نفسك بأنّك لو عملت أو فعلت. في حال تودّ شيء ما، اعمله اليوم، ولكن لا تقضِ عمرك في اللوم والبحث عن الأسباب. آمنت بأن الرزق من الله وحده. ييسره لك في الوقت المناسب لك وكما يقول تعالى ” وفي السماء رزقكم وما توعدون”، لا تدع الألم والحسرة تقتلك بأنك مازلت واقف في مكان معين، قيمتك ليست معلقة بهذا المكان قبل كل شيء، ورزقك موجود فاطمئن. لا أعرف إن كان في كلامي سلوى، ولكن ادعوا الله بيقين وتأكدوا بأن كل شيء سيأتي ولو بعد حين.
سمية عبدالرحمن
/ ديسمبر 14, 2019استمتعت بقراءة تدوينتك الثرية . مبروك حنان على كل نجاح حققتيه 🌼
mishal.d
/ ديسمبر 14, 2019تدوينة رائعة وتستحقين النجاح فعلاً ومنها للاعلى يارب ،،،
دمتِ بخير ،،،،
عبدالعزيز
/ ديسمبر 15, 2019شكرا جزيلا حنان تدوينه جت في وقتها
هالة حمدان
/ ديسمبر 15, 2019شكرًا حنان
حرفيًا On time
ربي يسعدك♥️
wejdan.sa
/ ديسمبر 16, 2019الله عليك يا حنان، تدوينة مليانة خبرات ودروس لحديثي التخرج. قبل ستة شهور تخرجت وبدأت الرحلة اللي يخوضها حديثي التخرج حتى يجدون أنفسهم في مضمار الحياة، ومن أول شهرين شعرت بالإحباط الشديد و عدت تجارب كثيرة والحمدلله ممتنة لله على كل يوم من هذه الأيام. الله يسخر لنا الخير دائماً 💜
ريم
/ ديسمبر 24, 2019مدونة ثرية 💛
شكرا جدااا على نقل تجربتج لامستني حروفها خاصة إني تخرجت من ست شهور وفي رحلة البحث عن عمل ومكان يناسبني💛 ممكن إنني أتردد عليها أكثر من مرة مفيدة جدا وحميلة وخفيفة حتى لوكانت طويلة 💛💛💛 جزاك الله خيراا
نوره
/ جانفي 20, 2020يارببييي، الخاتمه بروحها والله انها بلسم😭 يعلم الله بالاحباط ولوم النفس اللي انا فيه، ويعلم الله شلون انا متعلقه بالوظيفه وموقفه حياتي عليها😭 الله يرزقنا ويرزقكم من حيث لا تعلمون❤️
Hanan
/ جانفي 20, 2020الله ييسرلك ويرزقك من واسع فضله <٤