مرحبا ..
صباحات زحمة و طقس حار إلى معتدل نسبيًا ، و أحيانًا قطعة من حلوى الخطمي تداعب أشعة الشمس المستيقظة مبكرًا.
عدنا من جديد إلى العمل و الروتين الذي يفضله الكثير على فوضى الإجازات كما يقولون ، و عمومًا لا مناص من الدوام ، فغياب يوم أو يومين لا يعني أنّ الإجازة في الحقيقة تطول .
رافقني هذه الفترة كتاب فن الحياة لفريدريك لونوار ، و الذي كان يخاطبني حقًا ورغم فلسفته إلا أنه بسيط شامل و خفيف لطيف للصحبة .
يقول في البداية :
وجود الإنسان واقعة حقيقية أما أسلوب عيشه فهو فن من الفنون
.
و بالتأكيد أنت من تحدد نوع فنك و مستواه ، رغم المحيط و العوامل الاجتماعية المؤثرة إلا أنك تستطيع على الأقل السيطرة على بعض أمور رئيسية تسهل لك ما بعدها.
وُلدنا و كنا واقعًا في هذه الحياة ، أما بالنسبة لتعايشنا معها فهو مختلف فيه من شخصٍ لآخر ، فكما هناك أشخاص بلغوا الغايات الكبرى من النجاح و الوصول إلى العالم أجمع بدراسة أو بدون ، بنجاح مشروع أو بعمل خيري ، هناك من توقف في وسط الطريق يائسًا ، و كما يوجد أشخاص تعلّموا الحد الأعلى مما يحبون و مارسوا من الهوايات قدر ما يودّون ، هناك أشخاص توقفت محاولاتهم عند الهواية الثانية .
.
.
لا أحد منّا يولد ناجح ، أو فنّان ، لا أحد و إن كانت فطرته أو جيناته تحمل الكثير الكثير سيتسطيع فعل أي شيء إن لم يكتشف ذلك بالمحاولة ، و من هنا كان علينا العيش بحثًا عمّا نحن نرى أنفسنا فيه ، و من هنا كان الإنسان يجري في كل مكان.
.
التربية عامل أساسي بالتأكيد لإتاحة الفرص لنا لمواجهة العالم الخارجي ، و لتأسيس أهم مبادئنا و قناعاتنا إن لم تكن إحدى العادات بالطبع.
.
تساؤلات الكاتب
كيف السبيل إلى أن يحيا الإنسان في سلام مع نفسه و الآخرين ؟ ما رد الفعل الواجب اتخاذه تجاه الألم ؟ كيف لنا أن نعرف أنفسنا لنحل مشكلاتنا المتناقضة ؟ و كيف نستطيع الاستحواذ على حرية باطنية حقيقية؟ و كيف يحسن بنا أن نحب ؟ و أخيرًا كيف يتيسر لنا بلوغ السعادة الحقيقية الدائمة وهي بلا ريب رهن بكيفية العلاقات القائمة مع الذات و مع الآخرين أكثر من ارتباطها بالنجاح الاجتماعي و اقتناء الخيرات المادية؟
.
يقول أغسطينوس
السعادة هي أن يواظب المرء على تمني ما يتملكه.
.
الفكرة التتي واتتني مما سبق اقتباسه ، أن قناعة الإنسان بما لديه من ملكات و ممتلكات يورث الرضا ، وكما أرى فإن السعادة رضا.
من طبع الإنسان الطمع و اللا حدود في الرغبات و فمهما أعطي يظل يطمح للمزيد وكما يقول الرسول عليه الصلاة و السلام :
.
( لو أن لابن آدم واديًا من ذهب لأحب أن يكون له واديان ، ولن يملأ فمه إلا التراب ، و يتوب الله على من تاب)
.
يتناول فريدريك الحديث عن أننا نستطيع البقاء رافضين ما نحن عليه من مكان ولادة أو عائلاتنا أو الأقدار التي لا فرار منها ، نستطيع البقاء رافضين فكرة الأمراض و الشيخوخة و الموت ، لكننا لن نستطيع تذوق الصفاء و السلام الداخلي ما دمنا في حال صراع على ما نحن فيه وعلى مانريده.
فكرة تقبل و قبول الواقع هي أولى الخطوات للتصالح مع الذات ، والتي يليها التصالح مع ما حولك من أشخاص و علاقات اجتماعية و خلافه.
.
يقول نصًا
بمجرد ما يقبل المرء الحياة و كيانه يوفر لنفسه شعورًا بالامتنان يعتبر بحد ذاته مصدر سعادة ، يتيح له الاستفادة كليًا من الإيجابيات و تحويل السلبيات ما أمكنه ذلك ، فالموافقة بالإيجاب هي موقف باطني يشرع أبواب أنفسنا لحركة الحياة و حالاتها الطارئة، و أحداثها الغير مرتقبة ومفاجآتها العديدة. إنها نوع من تنفس الهواء يسمح لنا بمواكبة سريان الوجود في باطن النفس.
يستحيل علي في مواجهة الرعب و أمام وجع طفل لا حد له و إزاء ترحيل ملايين الأبرياء و إبادتهم أن أفهم و أوافق على مايجري. إن الشر يثير استنكاري فأرفض أن أجد له مبررًا له. على أن هذا الوعي للطابع المأساوي و غير المقبول لبعض الأحداث لم يصرفني يومًا عن حب الحياة . فما زلت أعتقد أنها جديرة بالعيش رغم كل شيء.
.
كلٌ مسؤول عن حياته
من يرتبط بعلاقة شخصية أو عمل أو حتى دراسة بشكل متردد فلن يكتب لهذه العلاقة النجاح حسب ما يعتقد فريدريك :
.
عندما لا يتقن المرء عمله و لا ييقوم ببذل جهد صادق لا يشعر بأي رضى نفسي ، لأن الحياة الناجحة هي دائمًا ثمرة التزام و انخراط حقيقي في جميع مجالات الوجود.
.
مسؤوليتك عن حياتك يعني أنك مسؤول عن التكيف بها كيفما كانت ، و أن علينا أن نصلح عيوبنا و ننمي ايجابياتنا و نرتبط بعلاقات مع الآخرين او أن مصيرنا سيكون الانطواء على ذواتنا .
فكرة ان كل ما حدث لك هو بسبب الدولة / خطأ الطرف الآخر/ سوء حظك، هي فكرة تلغي كونك مسؤول عمّا يحدث لك ، و أنك تنظر على أن كل ما يحدث هو من الخارج دائمًا .
.
يقول فريدريك
حين يخاف الأفراد يتنازلون عن حريتهم لسلطة قوية ، و يتخلون عن مسؤوليتهم كليًا. و على نقيض ذلك ، أولئك الذين هم مستعدون لتحمل تبعات مسؤوليتهم و يعو حقًا أنهم مسؤولون عن حياتهم ، إنهم لا يطالبون بنوع من (التأمين ضد كل الأخطار) لمواجهة تقلبات الحياة و مخاطرها بل يتحملون تبعات أعمالهم مدريكن أن خير رد على عقبة خارجية يتعذر تخطيها هو رد نابع من الداخل.
.
يحتاج البشر إلى القيام بفعل ما ليشعره بالرضى و الارتياح ، و هذه من أنواع الفروقات بيننا و بين الحيوانات التي لا تستجيب عندما تبني أعشاشها أو جحورها و قفرانها لمبدأ المتعة ، بل تخضع لغريزة البقاء.
.
بينما يحتاج الإنسان لشيء أكبر من الحاجة للبقاء ، هو بحاجة لتوظيف طاقاته في عمل و نشاط و إبداع ، لأن عدم الجركة يثقل عليه بكل ما في الكلمة من معنى و يسحقه حائلًا بينه و بين الإحساس بذاته بصورة كاملة.
.
و تتجلى هذه الخصوصية لدى االطفل منذ نعومة أظافره فيبدأ بالتقل و اللعب ، يفكك الألعاب و يركبها من جديد ، يحاول توظيف طاقاته.
.
نحن نسعى لتحقيق توازننا و العمل ليس لغرض المال و حسب ، فنحن نقوم بالتنظيف و الرياضة و الأعمال اليدوية. للإحساس بأننا عامل تطوير للواقع الخاص بنا.
.
يقول الفيلسوف الآن
العمل هو الشيء الوحيد اللذيذ و الكافي ، أعني العمل الحر وليد قدرة و مصدرة قدرة على السواء .. هذه المتعة متوافرة في جميع المهم لأن العامل يبدع و يتعلم على الدوام.
.
و على الرغم من أهمية العمل في تحقيق التوازن الذاتي و إرضاء رغبات الشخص و شعوره بالسعادة.
.
إلا أنه يظل على المرء حقًا على نفسه و أن يوازن بين ما يفعل و ما يحتاج من العمل و الراحة أيضًا!
الكثير من الناجحين و المبدعين حول العالم يسعون لتخصيص بعض الأيام من أجل نفسهم فقط ، و البعض الآخر يسعى لفعل ذلك بشكل يومي ، تخصيص بعض الوقت من أجل التأمل او بعض الأيام من أجل السفر و الاسترخاء يساعد في العودة من جديد للعمل بروح قوية أكثر.
.
الراحة لا تشمل النوم فقط ، من الممكن أن تكون في تجاهل بعض الأعمال المنزلية ، أو القيام بأمور شتى لا عائد لها بالنفع بل لمجرد المتعة.
.
و كما يقول فردريك
إننا نخشى فترات الاسترخاء التام لأننا نحس بها و كأنها من الوقت المهدور بينما لنتعلم على العكس أن نشعر بها كأنها من الوقت المكتسب.
.
إننا نعيش مكونين علاقات مع الآخر ، و رغم هذا فالأساس مبني علينا ، علينا أن نحب ذواتنا قبل كل شيء و نحترمها .
يتعلم المرء حب ذاته من بداية الطفولة ، فحين يكون الحب المتلّقى كفاية سيعني للطفل على صعيد العقل الواعي و اللاواعي بأنه جدير بالفعل بأن يُحب.
.
و سينعكس ذلك بصورة إيجابية و يدفعه للاعتداد بنفسه و تنمية علاقة جيدة مع ذاته.
ووجود العلاقة الجيدة مع الذات يساعد الشخص على تكوين علاقات جيدة مع الآخر كما سبق القول ، و القاعدة الأساسية للتعامل مع الآخر بعد الاحترام هو “لا تفعل للآخرين مالا تريد أن يفعلوه لك”
.
وقد قال الرسول عليه الصلاة و السلام
(حب لأخيك ما تحب لنفسك)
.
بالتأكيد هناك بعض الأخطاء التي قد تحدث في أي علاقة ، لكن الأسلم لك و لقلبك هو الغفران و التسامح تقول حنة آردنت
لولا الغفران لبقينا أسرى أعمالنا و تبعاتها
.
الغفران لا يعني النسيان ، بل النجاح في تسكين الجرح الذي أحدثه الآخرون.
و أخيرًا أهم طريق في الحياة يقوم على الانتقال من الجهل إلى المعرفة و من الخوف إلى المحبة. و السعادة في هذه الحياة لاتعتمد على ما لديك وما ليس لدى الآخرين ، بل على مدى رضاك عمّا أنت عليه.