صباح النور بتوقيتي، الطقس بدأ بالتحسّن في هذه البقعة من الأرض.
كيف الحال يارفاق؟
تبدو الحياة بمنظور مختلف دائمًا في مجتمع النساء، أحكام كثيرة تسقط عليك لكل حركة ونظرة ولبس. مع ذلك دائمًا ما أقول مادام مجتمعك الصغير يحتويك جيدًا فأنت بوضعٍ أفضل من الكثير.
هذه التدوينة ترددت كثيرًا في كتابتها، بعد أن حدثتني الرفيقة ريم أو كما تحب ريمز! عن فكرة التصالح مع الجسد والأمور المساعدة في ذلك. وعلى هذا صار نقاش، يليه محادثة قصيرة، يليه صدمتي حين اكتشفت برامج بسيطة جدًا لتغيير الوجه (ملامح، لون، صفاء) لول!
مرحلة -1-:
ربيت في منزل يهتم بالتغذية والصحة بشكل طبيعي بعيدًا عن المثالية. أستطيع القول بأنه متزن وهذا من فضل الله أنني عشت على هذا منذ الصغر، لذا محاولاتي بعد ذلك في أن أكون أكثر اهتمامًا لم تكن مستحيلة. عمومًا، لم يقلق والديّ على صحتي مالم أتعرض لوعكة صحية، لكن في مرحلة ما من طفولتي كنت أتعرض لتعليقات أستطيع وصفها بالمتخلف، كأبسط/أدق وصف. كانت تربك عائلتي لأيام.
ومع ذلك لا أستطيع الجزم إن كانت أثرّت علي. بنهاية المرحلة الابتدائية وبداية المرحلة المتوسطة تقريبًا، أصبح يثير عجبي حديث البنات في المدرسة، لأن مجتمعي الصغير أيضًا كان مايزال بعيد كل البعد عن هذا. أتذكر إحداهن كانت تخبرني عن أهمية أن يكون لون مفاصل أصابع اليد متماثل تمامًا وأن غير ذلك غير مقبول ومدعاة لأن تكون خارج دائرة القبول في مجتمعات النساء! وكانت تلك أول مرة أتأمل لون كفوفي :). كما قلت من قبل، لم أعتد على التركيز في هذه الأمور على الإطلاق، الحرص على النظافة والترتيب كان مهمًا جدًا بالنسبة لي، على الصعيد الشخصي أو في ممتلكاتي الشخصية (غرفة/كتب/..) ومع ذلك لا أتذكر أنني كنت آبه على الإطلاق إذا ماكانت خصلات شعري متطايرة، أعني مالذي سيحدث بالضبط للعالم؟ بل إن كلمة خصلات كبيرة حتى، هي بدايات للشعر تنمو ليس إلا. ومع ذلك أملك رفيقات أحبهم للغاية، لكنني أتذكر أنني كنت أقف معهم عند المرآة لثواني ثم أملّ وأذهب وأعود كثيرًا حتى أنني توقفت عن الذهاب معهن. أتذكر أنني كنت أحبّ شعري كثيرًا، فعليًا. لكنني كنت أشعر بأن هناك خلل ما. وأنّ ربما أن فيني مشكلة معينة لأنه لا يبدو مثل البقية. كنت أتساءل عمّا سأفهم يومًا ما هذه الهموم، وهل سأكون قادرة فعلًا على التعامل معها، كنت أخشى أنني أجهل أمرًا سيؤثر علي مستقبلًا! بنفس المرحلة، كنت أحضر المناسبات الاجتماعية بدون مساحيق تجميل وهنا كنت أستقبل تعليقات لا منتهية عن الموضوع. إلى أن وصلت للمرحلة الثانوية، وأعتقد أنها مرحلة الاضطراب فعلًا، أتذكر أنني فجأة سقطت في فخ المستحضرات الحرارية، بشكل مجنون جدًا. الجيّد في الموضوع أنني كنت تصالحت مع جسدي تمامًا فكانت نقطة بكفة والأخرى بكفة.
مرحلة -2-:
المرحلة الأولى مشوشة، أتذكر حرفيًا كل تعليق وصلني بمرحلة الطفولة. أتذكر الأشخاص وطريقة الكلام، أتذكر مرة بالصف الرابع ابتدائي أبدت المعلمة تعليقًا حلوًا مبهرًا مسمومًا. كنت أخبر أسرتي بكل شيء، يعني أقلقهم زيادة. ولكن، الأمر الجيد خلال كل هذا هو أنني أيضًا كنت أقرأ. ليس حول مفهوم الجمال ولا الصحة ولا أي شيء مرتبط به. لكن أقرأ فحسب.
تعلمت خلال هذا كيف أتصالح مع كل شيء. كيف أحب ذاتي لما هي عليه. كيف أهتم بشكل متزن لا بشكلٍ مهووس. وكيف أرى الجمال في الآخرين كما هم عليه. بعدها تعرضت لوعكات صحية مرّت بسلام والحمد لله في كل مرة نزل وزني على إثرها الكثير، للحدّ الذي يبيّن فعلًا مرضي، ولكم أن تتخيلوا ردة فعلي عند كل بعيد يراني ويقول “يارب ينزل وزني كذا” وعند كل قريب يعرف بوضعي ويقول “مرة شكلك باين انه مريضة”. كم علينا أن نلبث حتى نركّز أكثر في أحاديثنا الصغيرة؟ للأمانة أتفوه بداخلي بكلام كثير. لكن في الواقع “طيب امرضي أو ايوة طيب أنا مريضة!” ببساطة يعني لول!
وخلال كل هذا كنت مازلت أسمع تعليقات مسمومة حولي عن آخريات نساء طبيعيات ولكن بنظرهم “هذه طويلة جدًا لترتبط” “وحلوة لكن ينقصها شعر غزير” “وجميلة لكن لا تضع مساحيق تجميل” “وعندها فلوس لكن لا تستخدم مستحضرات حرارية” غريب! أمور لا معنى لها بنظري، أحكام كثيرة وتافهة تزيد من النمطية والصور المفروضة للمرأة وكأنها محكوم عليها أن تتقولب حسب الزمن والمكان التي هي فيه. لست هنا لمناقشة كيف بدأت هذه الأمور أو لإعطاء أمثلة على مرّ التاريخ، ولكن نحن هنا اليوم حيث المعرفة والعلوم والفكر متوفر للجميع على الأقل للغالبية العظمى من الذين مازالوا يقولبون المرأة بصورة معينة.
أتذكر بجلسة مرّ اسم شخص ويليه تعليق مباشر “ماتعجبني مرة، ماتحطّ غير قلوس على أساس واثقة من نفسها” مرة أخرى شخص آخر يصف نفسه عند الخروج “ما أحب أخرج بدون مكياج كذا مكركبة وما أحب أحد يخرج معايا كذا” وقبل أن أكمل، لا أملك شيئًا ضد الذين يحبون وضع المساحيق أو استخدام المستحضرات أو التجميل بشكل عام. لكن لدي مشكلة عامة حول إطلاقنا للأحكام ومحاولة أن نقيّد الآخر معنا بنفس القيد. أحب أصدقائي كما هم، رغم أن كثير منهم مازال يشعر بأنّ شعره سيء لأن الـBaby hair لم يلتزموا بنظام بقية الخصل، أو أن لونهم سيء لأنهم يملكون مناطق أغمق من أخرى.
في مرحلة التصالح وبداياتها عمومًا، كنت أحرج كثيرًا في حال قابلت أشخاص جدد بيومي، لأنني أشعر بأنّ بإمكاني أن أكون أكثر ترتيبًا. أو أن أرتدي لونًا أفضل! كنت أتردد قبل الخروج ومن الممكن أن أغير أي شيء لو سمعت تعليقًا بسيطًا من أختي مثلًا. لكنني بعدها وصلت للمرحلة التي أتمنى، المرحلة التي عملت كثيرًا لأن أقف فيها. وأعتقد أنّ لتقدير الذات أيضًا أثر كبير على ذلك. معلومة: أنت رائع كما أنت، من يحبّك يجب عليه معرفة ذلك ورؤيته. أما أن تنتظر شخصًا يحبك كما أنت لتبدأ بتقبل نفسك فهنا يوجد خلل.
خلال مرحلة التصالح:
- ابتعدت كثيرًا عن أصحاب التعليقات السلبية باستمرار. لنفسي علي حق.
- عرفت كيف أوجه المقربين لي. كيف أجعلهم يتوقفون عن بعض التعليقات وكيف أترك التعليقات الغير مؤذية تمضي بدون أن تؤثر علي.
- تعلمت كيف أهتم بنفسي من أجل نفسي وبما يناسبها بغض النظر عن معايير الآخرين . وبكل حبّ أستحقه، وبشكل طبيعي بعيدًا عن المبالغات في جعل كل جزء مثالي بطريقة معينة.
الأهم، التوقف عن السير مع الجمع لا يعني السير باتجاه عكسي، لا يعني بأنّ عليك القيام بشيء غريب أو لا ينمّ عن النظافة فقط لكسر كل القوالب الموجودة. وهذه النقطة تهمني جدًا لأنني أتذكر خلال فترة ما وجدت حملات كثيرة تسير بهذه الطريقة كنوع من الاحتجاج ضد قولبة الجمال للمرأة!
مرحلة-3-:
خلال كل هذا كنت أشهد جيلًا جديدًا في العائلة، بنات الابتدائي يضعن مساحيق تفوق غيرهم. أتذكر أحد المرات في زيارة عائلية صغيرة شاهدت مجموعة من قريباتي للمرة الأولى بدون أي شيء منذ فترة طويلة جدًا. عدت للمنزل أحدّث أمي “منجد نسيت شكلهم، حلوات وناعمين مرة”. وخلالها كانت العلاقات بين بعض الأمهات وبناتهن تضطرب لنفس الموضوع. تتحدث مرة إحداهن “قالت لأبوها لو ماتخليني ماما أحط زيهم والله ما أروح” بالصف الرابع الابتدائي. وللأمانة فقط كمية المساحيق لقريناتها فعليًا كانت أبعد مايكون عن وجه طفلة. وهنا آمنت بأنّ على الأمهات فعلًا تكوين علاقة قوية بالبنات خاصة، بأن تستطيع فعلًا أن تفهم زمنها، فإن جارتها ببعض الأمر فالمهم ألا تخسر البنت معنى أن تكون هي بطبيعتها. ألا تبدأ بالشعور بأنّ عليها دائمًا أن تقوم بما يقوم به الجميع لأن عدا ذلك ستنبذ. وأعرف صعوبة الأمر. أشعر بالحزن في كل مرة أرى طفلة لا تتجاوز الأربع سنين تستخدم مواد كيميائية لشعرها لتحويله لنوع آخر. أشعر بالحزن في كل صالون تشكي الأم للعاملة عن سوء شعر بنتها لأنه بنظرها ليس منسدلًا كفاية!
بعد كل هذا صرت أُصدم بأن الموضوع لم يعد على الأمور البسيطة، إحداهن تسخر من سؤال “ما أفضل طريقة لإزالة شعر الجسم” لأن بنظرها الليزر هو الأساس ومن الغباء أن تبحثي عن حل غيره. لقد وصلنا لمرحلة نرى فيها بأن الجميع عليهن اتباع نفس الأسلوب. نسينا أننا نأتي من من ظروف ومجتمعات مختلفة، أو حتى نسينا أن نحترم بأنّ للجميع حق اختيار مايريد بعيدًا عما يريده الجمهور له! أكثر من مرة سمعت “ليه ماتسوي عملية..؟” “ليه ماتجربي إبر..؟” و “انت حلوة بس..” عفوًا؟ أنحن ماضون نحو طريق أسوأ؟ مؤثرون ومتحدثون في كل مكان ينشرون أفكار سامة، يستقبلها جيل خلف جيل لتبدأ الثقة بالتزعزع وينقص تقدير الذات ومرحلة جديدة من الإحباط حتى يعود المرء لذاته يومًا ما ليبنيها، أو أنه سيعيش كذلك للأبد.
العيادات وأصحاب الصالونات النسائية على استعداد أن تتفوه بأسوأ الأمور فقط لتقنعك بعرض معين، طريقة تافهة ولا معنى لها. أتذكر سيدة في صالون سألتني عمّا إن كنت أعرف عن قناع معين للبشرة عرضته عليها إحدى النسوة هناك، ثم بدأت تخبرني على استحياء بأنها قالت ” بشرتك معدومة ومافيها أي حياة، ضروري تاخذي العرض هذا عبارة عن 3 أقنعة للوجه وواحد للشعر وبتشوفي كيف الفرق” والله قلبي انعصر. ومتأكدة أنها تبحث عن زبائن متواضعات لأنّ هناك آخريات لن يدعن لها المجال لتكمل حديثها بعد أول كلمة. عمومًا تناولت موضوع الاهتمام بالبشرة من جانب التغذية وأن القناع في حال كان مذهل جدًا فمن الجيد أن تبقى نتيجته لبضع ساعات ليس إلا. لكن تصيد الآخرين والعمل على الوتر الحساس هو حماقة فعليًا.
لست أعرف عن وضعنا اليوم، ولست أستطيع الحكم بشكل قطعي، لكن أرجو أن يتعلم المرء حسن تقدير الذات، وفهم نفسه، وحبها كما هي عليه. وأن للآخرين حريتهم الشخصية في اختيار مايناسبهم ولسنا بنسخ فحسب. أرجو من النساء أن يعرفن كيف يتعاملن مع أجسادهن بكل مافيها. كيف يعززن القوة في النسوة من حولهن. كيف يقويّن العلاقة بين بناتهم ويقودونهم نحو تعريف سليم للجمال والصحة بعيدًا عن الهوس. كيف يستوعبن بأنّ أنوثتهن ليست مرتبطة بأمور معينة وعداها فلا بد من الخلل.
Hanan
/ نوفمبر 16, 2019فعلاً فعلاً يا حنان الناس صارت تبغى تقلد بس عشان ما يجيهم كلام من غيرهم / الثقة بالنفس صارت مهزوزة جداً.. الناس ماعاد تفكر إيش أسوي عشان “نفسي وصحتي” لأ عشان أصير زيهم!
..
دائماً أسمع تعليقات عشاني ما أعرف أحط مكياج لعيوني وأعترف إن هالتعليقات تهزّني وتخليني أحاول اتعلم بس أفشل هو مو حلو على وجهي ليش الناس ماتفهم:(
لكن بعد ما “تعلمت كيف أهتم بنفسي من أجل نفسي.” صار عندي وعي أنا لازم أختار اللي يناسبني واللي أرتاح عليه مو عشان فلانه تمدحني
..
أما نقطة الأطفال والمكياج شيء محزن جداً إن حتى بعض الامهات ماعندهم وعي باللي يناسب أطفالهم .. الثقة تبدأ من الأهل وعلى الشيء اللي أنت تختاره
..
يعطيك العااافية والله تدوينة جت بوقتها وكنت أفكر بهذا الأمر من فترة طويلة♥️
ميمونة
/ نوفمبر 18, 2019حبيت التدوينة❤️
بُشرَيات (@bushra_yat)
/ ديسمبر 7, 2019شكرا حنان ..
تحدثت عن الموضوع بطريقة سلسلة، ممتعة ومقنعة.. أستأذنك بنشره مع الإحالة للمدونة..
*يكون أسهل لو وضعتِ زر المشاركة لتدويناتك، ربي يفتح عليك ()
Hanan
/ ديسمبر 7, 2019أهلًا بشرى،
العفو. يمكنك نسخ الرابط من آخر التدوينة إما بخيار النسخ العادي، أو باختيار الرابط المختصر
https://wp.me/p3KMxU-26G
أو من خلال تويتر.