يونيو-يوليو ٢٥: تأملات عن التغيير

أهلًا وسهلًا،

انتهى فصل دراسي طويل ومليء جدًا، لكن لم ينتهي العمل بعد. آخر ست سنين على الأقل نسيت معنى أن تكون إجازتي بمعنى الإجازة الفعلي، وهذا ليس أمرًا أحبه على الإطلاق، بل على العكس من أكثر الأمور المؤثرة عليّ سلبًا، أحاول أخذ أسبوعين هنا وهناك لأتوقف عن كل شيء. لكن الدراسات العليا والتحضير لها والعمل البحثي يتطلب منك ذلك للأسف!

نعم أقول للأسف لأنه مهما بلغ حبّك لعملك فأنت تحبّ أيضًا وقتًا بعيدًا عن كل شيء، لنفسك، لعائلتك، للتأمل فيما أنت عليه. العمل المستمر يمنعك عن كل هذا حقيقةً، ولست مع التغنّي بحب ما تعمل طول الوقت، لأنني أحب نفسي وأولّي وقتي وصحتي فوق كل شيء وأحتاج الوقت لذلك.

حاولت جاهدة أن أقسم هذه الشهرين بين العمل وبين وقتي العائلي الخاص، حاولت جاهدة وليست كل الأمور كما تحلو لنا، ولكن علينا القبول والمضي. شخصيًا علمني الابتعاث وسنين الغربة، أنّ أولويتنا في الحياة لا بد لها من تحديث مستمر، أن وقتنا مع أحبابنا ثمين، وأنّ التركيز على ماهو أهم يعكس إيجابًا على ماهو أقل أهمية.

نمر بتغييرات كبيرة، ولأننا نثق بالله في قدرتنا على التكيف نعتقد أنها ستكون سلسة بدون أي مشاعر مختلفة، لا أعلم لماذا نغفل في كل مرة عن اختلاف المشاعر في مواجهة أي جديد، يتغنى من يعرفنا بقوتنا وأننا نواجه الكثير ونمضي، لكن لكل شيء ثمنه ولكل قوة ألمها، ولكل مواجهة أثرها. نحن لا نأسى على أنفسنا، لكننا نتعاطف مع ماتمرّ به، نتعاطف مع محاولتها وسعيها.

ننسى في مرات كثيرة أثر الإحباط المتكرر، أو المحاولات بدون نجاح، أو السعي المستمر بدون توقف، ننسى أنّ لكل هذا تأثير على مزاجنا وشعورنا وطاقتنا، نستذكر ذلك، أو يذكرنا القريبين منّا بأهمية أن نرى الطريق كامل لا المحطة المحلية، نعاود من جديد بالاهتمام بنفسنا، أخذ راحة كافية، التأمل أكثر، تغيير المكان، الخروج لمكان مختلف. نحاول أن نمنح ذواتنا بعض السلام والراحة، أن نقدر ما تقوم به. لماذا ننسى أن سعينا هذا هو عمل مستمر؟ لماذا يتحول ذلك في كل مرة لمسلمات وأمرٌ لا بد منه؟ وأننا بدون ذلك مقصرين! الفترات الطويلة من العمل والإجهاد تجعلنا نعتقد أنّ هذا ما نحن مبرمجين عليه، السعي المستمر، البقاء خارج منطقة الراحة، لكن الواقع ليس كذلك. قد نضطر نعم لظروف مختلفة مثل الدراسة على سبيل المثال لفترات ممتدة من الضغط المستمر، معاملات هنا وهناك، ومحاولة فهم ميزانية الشهر والاهتمام بنفسك والتواصل مع الآخرين بوقت يتناسب مع جغرافيا البقعتين، وفي كل هذا نحن نتعرض لظروف شخصية مختلفة وتغييرات مستمرة كطبيعة الحياة، وبالتالي إجهاد نفسي وعاطفي.

مالذي يساعدنا في الرحلة؟ شخصيًا وأولى الأمور بالنسبة لي هو إيماني التام بأنّ كل شيءٍ بالحياة بأجره، كل هم وتعب وسعي وألم، كل خطوة نخطوها وننوي فيها النوايا الطيبة نحتسب لله كل ما نفعله. ومن ثمّ هو مانقوم به لأنفسنا، من اهتمام بأساسيات الأمور كالأكل والنوم لما نقوم به في وقت فراغنا، وللعلاقات الطيبة والحقيقية التي نختارها في المسير. يليها هذه العلاقات، العائلة والرفاق الدعم والحبّ والتذكير المستمر بنقاط قوتنا، بأن نهتم بنفسنا، بالتواصل الذي يعيد لنا كل شعور مبهج معهم، بإيمانهم فينا وثقتهم بنا، بدعواتهم الطيبة كذلك!

لا يمكن أن نعول على نفسنا فقط، نحن أضعف مما نتخيل، يحمينا الله بإيماننا به، يقوينا ويمنحنا الاستمرارية بثقتنا به. وأختم ببيت شعري “وإني لأرجو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانعُ”.

المقالة التالية
أضف تعليق

تعليق واحد

  1. أفاتار hydrangea02

    🤍🤍🌸🌸

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

  • الأرشيف

  • مدوّنات أخرى

  • Goodreads