دع المقارنة، واستمتع بالرحلة!

03DF4557-46D1-426B-9D7E-458CD0619E8F

هل سبق لك يومًا الشعور بأنك أقل من أقرانك؟ أنك لا تحصد مثلهم في الأمور التي تسعون لها؟ أنّك لو مضيت بنفس الجهد، ستظل متأخرًا عنهم في هذا المجال؟  إنه من البائس جدًا أن تعيش حياتك تبنيها على المقارنات، فتبدأ منذ سن صغير ليملي عليك الكثير من البالغين أنواع المقارنات بينك وبين أقرانك، و إن كانت من باب تحفيزك، فإنّ الكثير على إثر هذه المقارنات يبدأ ببغض الشخص الآخر.

تكلمت مسبقًا عن وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها، وشخصيًا بنظري أرى أنّ أحد أسوأ تأثير لها على البعض هو مقارنتهم بدون شعور أو بشعور بالشخص الآخر .

فيأكل الشخص بنفسه لأنه لا يستطيع فعل هذا، والسفر للمكان هذا، و غيره. سواء إذا كان الأمر يعود لمقدرته الشخصية أو عادات معينة بمجتمعه.

كلنا منعمون بما لدينا، لكن البعض منا يستطيع دائمًا رؤية ذلك، يتفقد ماعنده باستمرار، ويحمد ربه. ومهما رأى فإنه يعلم بأنّ لكل شخص أمور معينة خصها الله به.

 

لكن ليس للجميع القدرة على معرفة مالديه، فمشاهدته للآخر تعني أن ينسى تمامًا ماهو عليه، و تجده يندب حظه كثيرًا على كل/أي شيء.

البعض يملك نفس ماتملك من مهارة/مال/سكن، لكنه يحب أن يبكي على ماهو عليه ويتأملّك، الموضوع فعلًا يصل لمرحلة تتعدى كونك يغبطك.

الموضوع ليس فحسب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما بالواقع أيضًا. أكثر ما أشاهده هو في الوضع الدراسي/الوظيفي. يصبح الموضوع فيه الكثير من الغلّ و المنافسة الغير شريفة، لأن الشخص انتقل من مرحلة تطوير نفسه والعمل عليها إلى مرحلة كيف أجعل الآخر أقل مني، وكأنّ التقدم سيكون بهذه الطريقة فحسب.

النفس بحد ذاتها لن تكون راضية هادئة مطمئنة البال إذا ماكان جلّ تفكيرها هو الآخر، فتجدها تشعر بأنها أقل منه، لا تستطيع الوصول، تتساءل كيف يعمل الآخر بدون أن تحرك من نفسها.

للكل أحقية الاطّلاع على تجارب الآخرين الموجودة، محاولة الاستفادة، التعلّم، و أخذ منها مايناسب النفس.

لكن للنفس أيضًا حق التقدير بعدم التقليل من شأنها، و الحب بمعرفتها جيدًا. ومتى ماستطعت ذلك، ستعرف أنّ للبشر خواص مختلفة/مهارات مختلفة/ظروف مختلفة/تجارب مختلفة، تجعلنا نرى العالم من زوايا غير منتهية، ونتصرف مع الأحداث بحسبما تراه ذواتنا مناسبًا.

لأننا لسنا بشخصٍ واحد، قد نخوض نفس المغامرة ونخرج بمشاعر لا تتشابه، ودروس لا تلتقي، لأن لكلٍ منا تكوينه الخاص.

نحن نقرأ ونبحث ونتعلم، لنطوّر ونغير ونسعى للأفضل، لكن بدون أن نقتل نفسنا في سبيل معرفة لماذا بذلت أنا والشخص سين نفس الجهد ورغم ذلك حصل على نتيجة أفضل.

ليس فحسب لأن تكوينكم مختلف، ولأنّ كل ماسبق في حياة كلًا منكما له تأثيره، ولكن لأنّ لكل منكما رزقه. ولا أحد سيموت قبل أن ينال كامل رزقه كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده لن تموت نفس قبل أن تستكمل رزقها …)، ماتجده مذهلًا في صحتك، قد يراه صديقك مذهلًا في عائلته، وما قد حباك الله به من نعمة مدهشة في دراستك، قد تكون لدى زميلك في حياته الاجتماعية. 

لا أحد كامل، كلنا بشر، لكننا نسعى لنتعلم أن نرى بطريقة مختلفة، تخفف عننا العبء لا تقتلنا، نسعى لمعرفة كيف نكون ممتنين بما نملك، ومنعمين بمالدينا، لا أن نُحبط لأننا نودّ كل مالدى الآخر ولدينا!  والتي لو علمنا ماخلفها حقًا قد نهرب منه، فالله يعطينا ماهو خيرٌ لنا، لظروفنا و لما يحمله الأمر من عقبات.

ورغم ذلك، المقارنة قد تكون جيدة، حين تكون بينك وبين نفسك. فاليوم أنت أفضل في مستواك الدراسي، وقد توقفت عن شرب الكثير من الغازيات. وهذا يمنحك شعورًا جيدًا ودفعة للأمام.

النظر للبعيد، وضع الأهداف ومحاولة تحقيقها هو شيء رائع، لكن تذكر أن طريقك للوصول من النقطة ألف إلى النقطة باء، سيكون مختلف عن طريقة وصول زميلك من النقطة جيم إلى النقطة باء. وأنّ الرحلة ستنتهي بدروس قد لا تلتقي، وهذا ما يميّز متعة التجارب في نهاية الأمر، لذلك لا تنشغل بالآخرين عن ذاتك فتخسرها واستمتع بالرحلة! 

المقالة التالية
أضف تعليق

10 تعليقات

  1. Daliamon

     /  جانفي 29, 2018

    شكرا جزيلا على هذا الكلام اللطيف كلنا بحاجته فعلا!👍 صح كلامك من يدري لو حصلنا على ما بيد غيرنا ايش كان ممكن يصير الله تكفل برزقنا جميعا

    رد
  2. حنان تدوينة رهيبة ما شاء الله تبارك الله ! كلام سديد وفي الصميم

    رد
  3. noorbabood

     /  فيفري 1, 2018

    حابة اشكرك جدا لكتابة موضوع مثل هذا , ماشاءالله عليكي كتاباتك جميلة و اتمنى يوم من الايام اشوف لكي كتاب ❤, شكرا لكي

    رد
  4. تدوينة مهمة جدا جدا , احتاج لها بالفعل , كل انسان له من المواهب و القدرات الكثير لكنه لا يقدرها و لا يراها بتاتا .. حق على كل انسان ان يجلس من نفسه و ان يرى انجازاته و ان يسعى ان يقارن نفسه بنفسه السابقة و ليس بالآخرين ..

    شكرا لك على هذه المدونة ..

    رد
    • صحيح، مع انغماسنا في بعض الأحيان ننسى مانملكه للأسف، على أمل أن تذكر كل من يقرأ هذه التدوينة بأنه رائع كما هو.

      رد
  5. احببت منطقك فعلا المقارنات بداية فقدان الانسان لشخصه ثم لطموحه ومستقبله

    رد

اترك رداً على حنان إلغاء الرد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

  • الأرشيف

  • Goodreads

  • تحديثات تويتر